جَبَلٍ بِأَعْلَاهَا، وَنَزَلَ تَاشَفِينُ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنَ الْبَلَدِ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ مُنَاوَشَةٌ، فَبَقُوا كَذَلِكَ إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَرَحَلَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ عَنْهَا إِلَى جَبَلِ تَاجِرَةَ، وَوَجَّهَ جَيْشًا مَعَ عُمَرَ الْهِنْتَاتِيِّ إِلَى مَدِينَةِ وَهْرَانَ، فَهَاجَمَهَا بَغْتَةً، وَحَصَّلَ هُوَ وَجَيْشُهُ فِيهَا، فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ فَسَارَ إِلَيْهَا، فَخَرَجَ مِنْهَا عُمَرُ، وَنَزَلَ تَاشَفِينُ بِظَاهِرِ وَهْرَانَ، عَلَى الْبَحْرِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَجَاءَتْ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ، وَهِيَ لَيْلَةٌ يُعَظِّمُهَا أَهْلُ الْمَغْرِبِ، وَبِظَاهِرِ وَهْرَانَ رَبْوَةٌ مُطِلَّةٌ عَلَى الْبَحْرِ، وَبِأَعْلَاهَا ثَنِيَّةٌ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمُتَعَبِّدُونَ وَهُوَ مَوْضِعٌ مُعَظَّمٌ عِنْدَهُمْ، فَسَارَ إِلَيْهِ تَاشَفِينُ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مُتَخَفِّيًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إِلَّا النَّفَرُ الَّذِينَ مَعَهُ، وَقَصَدَ التَّبَرُّكَ بِحُضُورِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَعَ أُولَئِكَ الْجَمَاعَةِ الصَّالِحِينَ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى عُمَرَ بْنِ يَحْيَى الْهَنْتَاتِيِّ، فَسَارَ لِوَقْتِهِ بِجَمِيعِ عَسْكَرِهِ إِلَى ذَلِكَ الْمُتَعَبَّدِ، وَأَحَاطُوا بِهِ، وَمَلَكُوا الرَّبْوَةَ، فَلَمَّا خَافَ تَاشَفِينُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ رَكِبَ فَرَسَهُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ إِلَى جِهَةِ الْبَحْرِ، فَسَقَطَ مِنْ جُرُفٍ عَالٍ عَلَى الْحِجَارَةِ فَهَلَكَ، وَرُفِعَتْ جُثَّتُهُ عَلَى خَشَبَةٍ، وَقُتِلَ كُلُّ مَنْ كَانَ مَعَهُ.
وَقِيلَ إِنَّ تَاشَفِينَ قَصَدَ حِصْنًا هُنَاكَ عَلَى رَابِيَةٍ، وَلَهُ فِيهِ بُسْتَانٌ كَبِيرٌ فِيهِ مِنْ كُلِّ الثِّمَارِ، فَاتَّفَقَ أَنَّ عُمَرَ الْهِنْتَاتِيَّ، مُقَدَّمَ عَسْكَرِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، سَيَّرَ سَرِيَّةً إِلَى الْحِصْنِ، يُعْلِمُهُمْ بِضِعْفِ مَنْ فِيهِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنْ تَاشَفِينَ فِيهِ، فَأَلْقَوُا النَّارَ فِي بَابِهِ فَاحْتَرَقَ، فَأَرَادَ تَاشَفِينُ الْهَرَبَ، فَرَكِبَ فَرَسَهُ، فَوَثَبَ الْفَرَسُ مِنْ دَاخِلِ الْحِصْنِ إِلَى خَارِجِ السُّورِ، فَسَقَطَ فِي النَّارِ، فَأُخِذَ تَاشَفِينُ، فَاعْتَرَفَ، فَأَرَادُوا حَمْلَهُ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، فَمَاتَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ كَانَتْ قَدِ انْدَقَّتْ، فَصُلِبَ، وَقُتِلَ كُلُّ مَنْ مَعَهُ، وَتَفَرَّقَ عَسْكَرُهُ وَلَمْ يَعُدْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ. وَمَلَكَ بَعْدَهُ أَخُوهُ إِسْحَاقُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ.
وَلَمَّا قُتِلَ تَاشَفِينُ أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِالْخَبَرِ، فَجَاءَ مِنْ تَاجِرَةَ فِي يَوْمِهِ بِجَمِيعِ عَسْكَرِهِ، وَتَفَرَّقَ عَسْكَرُ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْتَمَى بَعْضُهُمْ بِمَدِينَةِ وَهْرَانَ، فَلَمَّا وَصَلَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ دَخَلَهَا بِالسَّيْفِ، وَقَتَلَ فِيهَا مَا لَا يُحْصَى.
ثُمَّ سَارَ إِلَى تِلِمْسَانَ، وَهُمَا مَدِينَتَانِ بَيْنَهُمَا شَوْطُ فَرَسٍ، إِحْدَاهُمَا تَاهَرْتُ، وَبِهَا عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأُخْرَى أَقَادِيرُ، وَهِيَ بِنَاءٌ قَدِيمٌ، فَامْتَنَعَتْ أَقَادِيرُ، وَغَلَّقَتْ أَبْوَابَهَا، وَتَأَهَّبَ أَهْلُهَا لِلْقِتَالِ.
وَأَمَّا تَاهَرْتُ، فَكَانَ فِيهَا يَحْيَى بْنُ الصَّحْرَاوِيَّةِ، فَهَرَبَ مِنْهَا بِعَسْكَرِهِ إِلَى مَدِينَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute