تُعَرِّضْنِي لَعَبْسٍ وَعَامِرٍ فَقَدْ أَنْذَرَهُمْ لَا مَحَالَةَ، فَاسْتَحْمَقَهَا وَسَاءَهُ كَلَامُهَا وَرَدَّهَا. وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى فَمِ الشِّعْبِ بِعَسَاكِرَ جَرَّارَةٍ كَثِيرَةِ الصَّوَاهِلِ وَلَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ إِلَّا الْمَاءَ، فَقَصَدُوهُ. فَقَالَ لَهُمْ قَيْسٌ: أَخْرِجُوا عَلَيْهِمُ الْآنَ الْإِبِلَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَخَرَجَتِ الْإِبِلُ مَذَاعِيرَ عِطَاشًا وَهُمْ فِي أَعْرَاضِهَا وَأَدْبَارِهَا، فَخَبَطَتْ تَمِيمًا وَمَنْ مَعَهَا وَقَطَّعَتْهُمْ، وَكَانُوا فِي الشِّعْبِ، وَأَبْرَزَتْهُمْ إِلَى الصَّحْرَاءِ عَلَى غَيْرِ تَعْبِيَةٍ. وَشُغِلُوا عَنْ الِاجْتِمَاعِ إِلَى أَلْوِيَتِهِمْ، وَحَمَلَتْ عَلَيْهِمْ عَبْسٌ وَعَامِرٌ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى فِي تَمِيمٍ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ عَمْرُو بْنُ الْجَوْنِ، وَأُسِرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْجَوْنِ وَعَمْرُو بْنُ عَمْرِو بْنِ عُدَسٍ زَوْجُ تَخْتَنُوسْ بِنْتِ لَقِيطٍ، وَأُسِرَ حَاجِبُ بْنُ زُرَارَةَ، وَانْحَازَ لَقِيطُ بْنُ زُرَارَةَ، فَدَعَا قَوْمَهُ وَقَدْ تَفَرَّقُوا عَنْهُ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَفَرٌ يَسِيرٌ، فَتَحَرَّزَ بِرَايَتِهِ فَوْقَ جُرْفٍ ثُمَّ حَمَلَ فَقَتَلَ فِيهِمْ وَرَجَعَ وَصَاحَ: أَنَا لَقِيطٌ، وَحَمَلَ ثَانِيَةً فَقَتَلَ وَجَرَحَ وَعَادَ، فَكَثُرَ جَمْعُهُ، فَانْحَطَّ الْجُرْفُ بِفَرَسِهِ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ عَنْتَرَةُ فَطَعَنَهُ طَعْنَةً قَصَمَ بِهَا صُلْبَهُ، وَضَرَبَهُ قَيْسٌ بِالسَّيْفِ فَأَلْقَاهُ مُتَشَحِّطًا فِي دَمِهِ، فَذَكَرَ ابْنَتَهُ دَخْتَنُوسَ فَقَالَ: يَا لَيْتَ شِعْرِي عَنْكِ دَخْتَنُوسُ إِذَا أَتَاهَا الْخَبَرُ الْمَرْمُوسُ
أَتَحْلِقُ الْقُرُونَ أَمْ تَمِيسُ لَا بَلْ تَمِيسُ إِنَّهَا عَرُوسُ
ثُمَّ مَاتَ وَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى تَمِيمٍ وَغَطَفَانَ، ثُمَّ فَدَوْا حَاجِبًا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَعَادَ مَنْ سَلِمَ إِلَى أَهْلِهِ. وَقَالَتْ دَخْتَنُوسُ تَرْثِي أَبَاهَا قَصَائِدَ، مِنْهَا:
عَثَرَ الْأَغَرُّ بِخَيْرِ خِنْ ... دِفَ كَهْلِهَا وَشَبَابِهَا
وَأَضَرِّهَا لِعَدُوِّهَا ... وَأَفَكِّهَا لِرِقَابِهَا
وَقَرِيعِهَا وَنَجِيبِهَا ... فِي الْمُطْبِقَاتِ وَنَابِهَا
وَرَئِيسِهَا عِنْدَ الْمُلُو ... كِ وَزَيْنِ يَوْمِ خِطَابِهَا
وَأَتَمِّهَا نَسَبًا إِذَا ... رَجَعَتْ إِلَى أَنْسَابِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute