للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا سَمِعَ الْفِرِنْجُ بِانْصِرَافِ مَسْعُودٍ عَنْ صُورَ قَوِيَ طَمَعُهُمْ فِيهَا، وَحَدَّثُوا نُفُوسَهُمْ بِمُلْكِهَا، وَشَرَعُوا فِي الْجَمْعِ وَالتَّأَهُّبِ لِلنُّزُولِ عَلَيْهَا وَحَصْرِهَا، فَسَمِعَ الْوَالِي بِهَا لِلْمِصْرِيِّينَ الْخَبَرَ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا قُوَّةَ لَهُ، وَلَا طَاقَةَ عَلَى دَفْعِ الْفِرِنْجِ عَنْهَا، لِقِلَّةِ مَنْ بِهَا مِنَ الْجُنْدِ وَالْمِيرَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْآمِرِ بِذَلِكَ، فَرَأَى أَنْ يَرُدَّ وِلَايَةَ صُورَ إِلَى طُغْتِكِينَ، صَاحِبِ دِمَشْقَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَمَلَكَ صُورَ، وَرَتَّبَ بِهَا مِنَ الْجُنْدِ وَغَيْرِهِمْ مَا ظَنَّ فِيهِ كِفَايَةً.

وَسَارَ الْفِرِنْجُ إِلَيْهِمْ وَنَازَلُوهُمْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ، وَلَازَمُوا الْقِتَالَ، فَقَلَّتِ الْأَقْوَاتُ، وَسَئِمَ مَنْ بِهَا الْقِتَالَ، وَضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ، وَسَارَ طُغْتِكِينُ إِلَى بَانْيَاسَ لِيَقْرُبَ مِنْهُمْ، وَيَذُبَّ عَنِ الْبَلَدِ، وَلَعَلَّ الْفِرِنْجَ إِذَا رَأَوْا قُرْبَهُ مِنْهُمْ رَحَلُوا، فَلَمْ يَتَحَرَّكُوا، وَلَزِمُوا الْحِصَارَ، فَأَرْسَلَ طُغْتِكِينُ إِلَى مِصْرَ يَسْتَنْجِدُهُمْ، فَلَمْ يُنْجِدُوهُ، وَتَمَادَتِ الْأَيَّامُ، وَأَشْرَفَ أَهْلُهَا عَلَى الْهَلَاكِ، فَرَاسَلَ حِينَئِذٍ طُغْتِكِينُ، صَاحِبُ دِمَشْقَ، وَقَرَّرَ الْأَمْرَ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْمَدِينَةَ إِلَيْهِمْ، وَيُمَكِّنُوا مَنْ بِهَا مِنَ الْجُنْدِ وَالرَّعِيَّةِ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا بِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَرِحَالِهِمْ وَغَيْرِهَا، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْبَلَدِ، وَمَلَكَهُ الْفِرِنْجُ، وَفَارَقَهُ أَهْلُهُ، وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، وَحَمَلُوا مَا أَطَاقُوا، وَتَرَكُوا مَا عَجَزُوا عَنْهُ، وَلَمْ يَعْرِضِ الْفِرِنْجُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الضَّعِيفُ عَجَزَ عَنِ الْحَرَكَةِ.

وَمَلَكَ الْفِرِنْجُ الْبَلَدَ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ، وَكَانَ فَتْحُهُ وَهَنًا عَظِيمًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحْصِنِ الْبِلَادِ وَأَمْنَعِهَا، فَاللَّهُ يُعِيدُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيُقِرُّ أَعْيُنَ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِهِ، بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ.

ذِكْرُ عَزْلِ الْبُرْسُقِيِّ عَنْ شِحْنَكِيَّةِ الْعِرَاقِ وَوِلَايَةِ يَرْنَقْشَ الزَّكْوِيِّ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ عُزِلَ الْبُرْسُقِيُّ عَنْ شِحْنَكِيَّةِ الْعِرَاقِ، وَوَلِيَهَا سَعْدُ الدَّوْلَةِ يَرْنَقْشُ الزَّكْوِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>