ذِكْرُ فَتْحِ الْبُرْسُقِيِّ كَفَرْطَابَ مِنَ الْفِرِنْجِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ جَمَعَ الْبُرْسُقِيُّ عَسَاكِرَهُ وَسَارَ إِلَى الشَّامِ، وَقَصَدَ كَفَرْطَابَ وَحَصَرَهَا، فَمَلَكَهَا مِنَ الْفِرِنْجِ، وَسَارَ إِلَى قَلْعَةِ عَزَازَ، وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ حَلَبَ مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ، وَصَاحِبُهَا جُوسُلِينُ، فَحَصَرَهَا، فَاجْتَمَعَتِ الْفِرِنْجُ، فَارِسُهَا وَرَاجِلُهَا، وَقَصَدُوهُ لِيُرَحِّلُوهُ عَنْهَا، فَلَقِيَهُمْ وَضَرَبَ مَعَهُمْ مَصَافًّا، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا صَبَرُوا كُلُّهُمْ فِيهِ، فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَقُتِلَ مِنْهُمْ وَأُسِرَ كَثِيرٌ.
وَكَانَ عَدَدُ الْقَتْلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَادَ مُنْهَزِمًا إِلَى حَلَبَ، فَخَلَّفَ بِهَا ابْنَهُ مَسْعُودًا، وَعَبَرَ الْفُرَاتَ إِلَى الْمَوْصِلِ لِيَجْمَعَ الْعَسَاكِرَ وَيُعَاوِدَ الْقِتَالَ، وَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ قَتْلِ الْمَأْمُونِ بْنِ الْبَطَائِحِيِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَمَضَانَ، قَبَضَ الْآمِرُ بِأَحْكَامِ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ، صَاحِبُ مِصْرَ، عَلَى وَزِيرِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْبَطَائِحِيِّ، الْمُلَقَّبِ بِالْمَأْمُونِ، وَصَلَبَهُ وَإِخْوَتَهُ.
وَكَانَ ابْتِدَاءُ أَمْرِهِ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مِنْ جَوَاسِيسِ الْأَفْضَلِ بِالْعِرَاقِ، فَمَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا، فَتَزَوَّجَتْ أُمُّهُ وَتَرَكَتْهُ فَقِيرًا، فَاتَّصَلَ بِإِنْسَانٍ يَتَعَلَّمُ الْبِنَاءَ بِمِصْرَ ثُمَّ صَارَ يَحْمِلُ الْأَمْتِعَةَ بِالسُّوقِ الْكَبِيرِ، فَدَخَلَ مَعَ الْحَمَّالِينَ إِلَى دَارِ الْأَفْضَلِ أَمِيرِ الْجُيُوشِ، مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَرَآهُ الْأَفْضَلُ خَفِيفًا رَشِيقًا، حَسَنَ الْحَرَكَةِ، حُلْوَ الْكَلَامِ، فَأَعْجَبَهُ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ هُوَ ابْنُ فُلَانٍ، فَاسْتَخْدَمَهُ مَعَ الْفَرَّاشِينَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عِنْدَهُ، وَكَبُرَتْ مَنْزِلَتُهُ، وَعَلَتْ حَالَتُهُ، حَتَّى صَارَ وَزِيرًا.
وَكَانَ كَرِيمًا، وَاسِعَ الصَّدْرِ، قَتَّالًا، سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ، وَكَانَ شَدِيدَ التَّحَرُّزِ، كَثِيرَ التَّطَلُّعِ إِلَى أَحْوَالِ النَّاسِ مِنَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ: مِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ، وَكَثُرَ الْغَمَّازُونَ فِي أَيَّامِهِ.
وَأَمَّا سَبَبُ قَتْلِهِ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ الْأَمِيرَ جَعْفَرًا أَخَا الْآمِرِ لِيَقْتُلَ الْآمِرَ وَيَجْعَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute