فِي جُمْلَتِهِ، حَتَّى آلَ بِهِمُ الْأَمْرُ إِلَى مُلْكِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
وَأَمَّا السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ فَإِنَّهُ سَارَ مِنَ الْعَبَّاسِيَّةِ إِلَى الْمَلَكِيَّةِ، وَوَقَعَتِ الطَّلَائِعُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الْمُنَاوَشَةُ تَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ سَلْجُوقْشَاهْ يَوْمَيْنِ.
وَأَرْسَلَ سَلْجُوقْشَاهْ إِلَى قُرَاجَةَ يَسْتَحِثُّهُ عَلَى الْمُبَادَرَةِ، فَعَادَ سَرِيعًا، وَعَبَرَ دِجْلَةَ إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، فَلَمَّا عَلِمَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ بِانْهِزَامِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي رَجَعَ إِلَى وَرَائِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُعَرِّفُهُ وُصُولَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ إِلَى الرَّيِّ، وَأَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى قَصْدِ الْخَلِيفَةِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ نَتَّفِقَ عَلَى قِتَالِهِ وَدَفْعِهِ عَنِ الْعِرَاقِ، وَيَكُونُ الْعِرَاقُ لِوَكِيلِ الْخَلِيفَةِ، فَأَنَا مُوَافِقٌ عَلَى ذَلِكَ. فَأَعَادَ الْخَلِيفَةُ الْجَوَابَ يَسْتَوْقِفُهُ.
وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعِرَاقُ لِوَكِيلِ الْخَلِيفَةِ، وَتَكُونَ السَّلْطَنَةُ لِمَسْعُودٍ، وَيَكُونُ سَلْجُوقْشَاهْ وَلِيَّ عَهْدِهِ، وَتَحَالَفُوا عَلَى ذَلِكَ، وَعَادَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ إِلَى بَغْدَاذَ، فَنَزَلَ بِدَارِ السُّلْطَانِ، وَنَزَلَ سَلْجُوقْشَاهْ فِي دَارٍ الشِّحْنَكِيَّةِ، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي جُمَادَى الْأُولَى.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ وَعَمِّهِ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ
لَمَّا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ سَارَ سَنْجَرُ إِلَى بِلَادِ الْجِبَالِ وَمَعَهُ الْمَلِكُ طُغْرُلُ ابْنُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ عِنْدَهُ قَدْ لَازَمَهُ، فَوَصَلَ إِلَى الرَّيِّ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى هَمَذَانَ، فَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ وَالسُّلْطَانِ مَسْعُودٍ بِوُصُولِهِ إِلَى هَمَذَانَ، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قِتَالِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ مَعَهُمْ، وَتَجَهَّزَ الْخَلِيفَةُ، فَتَقَدَّمَ قُرَاجَةُ السَّاقِي وَالسُّلْطَانُ مَسْعُودٌ وَسَلْجُوقْشَاهْ نَحْوَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَتَأَخَّرَ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ عَنِ الْمَسِيرِ مَعَهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى قُرَاجَةَ، وَأَلْزَمَهُ وَقَالَ:
إِنَّ الَّذِي تَخَافُ مِنْ سَنْجَرَ آجِلًا أَنَا أَفْعَلُهُ عَاجِلًا.
فَبَرَزَ حِينَئِذٍ وَسَارَ عَلَى تَرَيُّثٍ وَتَوَقُّفٍ إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى خَانِقِينَ وَأَقَامَ بِهَا.
وَقُطِعَتْ خُطْبَةُ سَنْجَرَ مِنِ الْعِرَاقِ جَمِيعِهِ، وَوَصَلَتِ الْأَخْبَارُ بِوُصُولِ عِمَادِ الدِّينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute