ذِكْرُ مُلْكِ شَمْسِ الْمُلُوكِ حِصْنَ اللَّبْوَةِ وَحِصْنَ رَاسٍ وَحَصْرِهِ بَعْلَبَكَّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ شَمْسُ الْمُلُوكِ إِسْمَاعِيلُ صَاحِبُ دِمَشْقَ حِصْنَ اللَّبْوَةِ وَحِصْنَ رَاسٍ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا كَانَا لِأَبِيهِ تَاجِ الْمُلُوكِ، وَفِي كُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحْفِظٌ يَحْفَظُهُ، فَلَمَّا مَلَكَ شَمْسُ الْمُلُوكِ بَلَغَهُ أَنَّ أَخَاهُ شَمْسَ الدَّوْلَةِ مُحَمَّدًا صَاحِبَ بَعْلَبَكَّ قَدْ رَاسَلَهُمَا وَاسْتَمَالَهُمَا إِلَيْهِ، فَسَلَّمَا الْحِصْنَيْنِ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ فِيهِمَا مِنَ الْجُنْدِ مَا يَكْفِيهِمَا، فَلَمْ يُظْهِرْ بِذَلِكَ أَثَرًا بَلْ رَاسَلَ أَخَاهُ بِلُطْفٍ يُقَبِّحُ هَذِهِ الْحَالَ، وَيَطْلُبُ أَنْ يُعِيدَهُمَا إِلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَأَغْضَى عَلَى ذَلِكَ، وَتَجَهَّزَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِمَ أَحَدًا.
وَسَارَ هُوَ وَعَسْكَرُهُ آخِرَ ذِي الْقَعْدَةِ، فَطَلَبَ جِهَةَ الشَّمَالِ، ثُمَّ عَادَ مُغَرِّبًا، فَلَمْ يَشْعُرْ مَنْ بِحِصْنِ اللَّبْوَةِ إِلَّا وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَزَحَفَ لِوَقْتِهِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ نَصْبِ مَنْجَنِيقٍ وَلَا غَيْرِهِ، فَطَلَبُوا الْأَمَانَ فَبَذَلَهُ لَهُمْ، وَتَسَلَّمَ الْحِصْنَ مِنْ يَوْمِهِ، وَسَارَ مِنْ آخَرَ النَّهَارِ إِلَى حِصْنِ رَاسٍ، فَبَغَتَهُمْ، وَجَرَى الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى تِلْكَ الْقَضِيَّةِ وَتَسَلَّمَهُ، وَجَعَلَ فِيهِمَا مَنْ يَحْفَظُهُمَا.
ثُمَّ رَحَلَ إِلَى بَعْلَبَكَّ وَحَصَرَهَا وَفِيهَا أَخُوهُ شَمْسُ الدَّوْلَةِ مُحَمَّدٌ، وَقَدِ اسْتَعَدَّ وَجَمَعَ فِي الْحِصْنِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ رِجَالٍ وَذَخَائِرَ، فَحَصَرَهُمْ شَمْسُ الْمُلُوكِ، وَزَحَفَ فِي الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ، وَقَاتَلَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى السُّورِ، ثُمَّ زَحَفَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، فَمَلَكَ الْبَلَدَ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ وَقَتْلَى كَثِيرَةٍ، وَبَقِيَ الْحِصْنُ فَقَاتَلَهُ وَفِيهِ أَخُوهُ، وَنَصَبَ الْمَجَانِيقَ، وَلَازَمَ الْقِتَالَ، فَلَمَّا رَأَى أَخُوهُ شَمْسُ الدَّوْلَةِ شِدَّةَ الْأَمْرِ أَرْسَلَ يَبْذُلُ الطَّاعَةَ، وَيَسْأَلُ أَنْ يُقَرَّ عَلَى مَا بِيَدِهِ، وَجَعَلَهُ أَبُوهُ بِاسْمِهِ، فَأَجَابَهُ إِلَى مَطْلُوبِهِ، وَأَقَرَّ عَلَيْهِ بَعْلَبَكَّ وَأَعْمَالَهَا، وَتَحَالَفُوا، وَعَادَ شَمْسُ الْمُلُوكِ إِلَى دِمَشْقَ وَقَدِ اسْتَقَامَتْ لَهُ الْأُمُورُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute