للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا قُتِلَ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ بُويِعَ وَلَدُهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ، وَلُقِّبَ الرَّاشِدَ بِاللَّهِ، وَكَانَ الْمُسْتَرْشِدُ قَدْ بَايَعَ لَهُ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ فِي حَيَاتِهِ، وَجُدِّدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ بَعْدَ قَتْلِهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَكَتَبَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ إِلَى بِكْ أَبَهَ الشِّحْنَةَ بِبَغْدَادَ فَبَايَعَ لَهُ، وَحَضَرَ النَّاسُ الْبَيْعَةَ، وَحَضَرَ بَيْعَتَهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ أَوْلَادِ الْخُلَفَاءِ، وَبَايَعَ لَهُ الشَّيْخُ أَبُو النَّجِيبِ، وَوَعَظَهُ، وَبَالَغَ فِي الْمَوْعِظَةِ. وَأَمَّا جَمَالُ الدَّوْلَةِ إِقْبَالٌ فَإِنَّهُ كَانَ بِبَغْدَادَ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَلَمَّا جَرَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ عَبَرَ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَأَصْعَدَ إِلَى تَكْرِيتَ، وَرَاسَلَ مُجَاهِدَ الدِّينِ بَهْرُوزَ وَحَلَّفَهُ، وَصَعِدَ إِلَيْهِ بِالْقَلْعَةِ.

ذِكْرُ مَسِيرِ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ إِلَى غَزْنَةَ، وَعَوْدِهِ عَنْهَا

فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَارَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى غَزْنَةَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ نُقِلَ إِلَيْهِ عَنْ صَاحِبِهَا بَهْرَامْ شَاهْ أَنَّهُ تَغَيَّرَ عَنْ طَاعَتِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ مَدَّ يَدَهُ إِلَى ظُلْمِ الرَّعَايَا وَاغْتِصَابِ أَمْوَالِهِمْ.

وَكَانَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ هُوَ الَّذِي مَلَكَ غَزْنَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِمَائَةٍ، فَلَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ الْمُزْعِجَةَ سَارَ إِلَى غَزْنَةَ لِيَأْخُذَهَا أَوْ يُصْلِحَهُ، فَلَمَّا سَلَكَ الطَّرِيقَ وَأَبْعَدَ أَدْرَكَهُمْ شِتَاءٌ شَدِيدُ الْبَرْدَ، كَثِيرُ الثَّلْجَ، وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمُ الْأَقْوَاتُ وَالْعَلُوفَاتُ، فَشَكَا الْعَسْكَرُ إِلَى السُّلْطَانِ ذَلِكَ، وَذَكَرُوا لَهُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الضِّيقِ، وَتَعَذَّرَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ غَيْرَ التَّقَدُّمِ أَمَامَهُ، فَلَمَّا قَارَبَ غَزْنَةَ أَرْسَلَ بَهْرَامْ شَاهْ رُسُلًا يَضْرَعَ إِلَى سَنْجَرَ، وَيَسْأَلَ الصَّفْحَ عَنْ جُرْمِهِ، وَالْعَفْوَ عَنْ ذَنْبِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سَنْجَرُ الْمُقَرَّبَ جَوْهَرًا الْخَادِمَ - وَهُوَ أَكْبَرُ أَمِيرٍ عِنْدَهُ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَقِطَاعِهِ مَدِينَةَ الرَّيِّ - فِي جَوَابِ رِسَالَتِهِ يُجِيبُهُ عَنِ الْعَفْوِ عَنْهُ إِنْ حَضَرَ عِنْدَهُ، وَعَادَ إِلَى طَاعَتِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَهْرَامْ شَاهْ أَجَابَهُ إِلَى مَا طَلَبَ مِنْهُ مِنَ الطَّاعَةِ، وَحَمَلَ الْمَالَ وَالْحُضُورَ بِنَفْسِهِ فِي خِدْمَتِهِ، وَأَظْهَرَ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>