للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخِيهِ مَحْمُودٍ، وَكَانَ قَدْ عَصَى عَلَيْهِ، فَنَزَلَ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ مَرَاغَةَ وَالْمُسْتَرْشِدُ مَعَهُ، فَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ فِي الصُّلْحِ، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

ذِكْرُ قَتْلِ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ وَخِلَافَةِ الرَّاشِدِ بِاللَّهِ

لَمَّا قَبَضَ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ - عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ - أَنْزَلَهُ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ فِي خَيْمَةٍ، وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَقَامَ بِمَا يَجِبُ مِنِ الْخِدْمَةِ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا فِي الصُّلْحِ وَتَقْرِيرِ الْقَوَاعِدِ عَلَى مَالٍ يُؤْدِّيهِ الْخَلِيفَةُ وَأَنْ لَا يَعُودَ يَجْمَعُ الْعَسَاكِرَ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِ، فَأَجَابَ السُّلْطَانُ إِلَى ذَلِكَ، وَأَرْكَبَ الْخَلِيفَةَ، وَحَمَلَ الْغَاشِيَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَعُودَ إِلَى بَغْدَادَ.

فَوَصَلَ الْخَبَرُ أَنَّ الْأَمِيرَ قَرَّانَ خُوَانْ قَدْ قَدَّمَ رَسُولًا مِنَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، فَتَأَخَّرَ مَسِيرُ الْمُسْتَرْشِدِ لِذَلِكَ، وَخَرَجَ النَّاسُ وَالسُّلْطَانُ مَسْعُودٌ إِلَى لِقَائِهِ، وَفَارَقَ الْخَلِيفَةُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مُوَكَّلًا بِهِ، وَكَانَتْ خَيْمَتُهُ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْعَسْكَرِ، فَقَصَدَهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا مِنَ الْبَاطِنِيَّةِ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَجَرَحُوهُ مَا يَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ جِرَاحَةً، وَمَثَّلُوا بِهِ فَجَدَعُوا أَنْفَهُ وَأُذُنَيْهِ، وَتَرَكُوهُ عُرْيَانًا، وَقُتِلَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُكَيْنَةَ، وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ الْخَمِيسَ سَابِعَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى بَابِ مَرَاغَةَ، وَبَقِيَ حَتَّى دَفَنَهُ أَهْلُ مَرَاغَةَ.

وَأَمَّا الْبَاطِنِيَّةُ فَقُتِلَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ، وَقِيلَ:

بَلْ قُتِلُوا جَمِيعُهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَ عُمْرُهُ لَمَّا قُتِلَ ثَلَاثًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سَبْعَ عَشْرَةِ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَأُمُّهُ أَمُّ وَلَدٍ، وَكَانَ شَهْمًا شُجَاعًا، كَثِيرَ الْإِقْدَامِ، بَعِيدَ الْهِمَّةِ، وَأَخْبَارُهُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَكَانَ فَصِيحًا بَلِيغًا حَسَنَ الْخَطِّ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ خَطَّهُ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ، وَرَأَيْتُ أَجْوِبَتَهُ عَلَى الرِّقَاعِ مِنْ أَحْسَنِ مَا يُكْتَبُ وَأَفْصَحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>