وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ ابْنُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ وَهُوَ بِأَذْرَبِيجَانَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُشِيرُ بِالْمَيْلِ إِلَى الدِّينَوَرِ لِيَحْضُرَ بِنَفْسِهِ وَعَسْكَرِهِ، فَلَمْ يَفْعَلِ الْمُسْتَرْشِدُ ذَلِكَ، وَسَارَ حَتَّى بَلَغَ دَايْمَرْجَ، وَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ، فَجَعَلَ فِي الْمَيْمَنَةِ يَرَنْقَشَ بَازْدَارْ وَنُورَ الدَّوْلَةِ سَنُقُرَ، وَقَزَلَ آخُرَ، وَبُرْسُقَ بْنَ بُرْسُقَ، وَجَعَلَ فِي الْمَسِيرِةِ جَاوِلِي وَبُرْسُقَ شَرَابَ سَلَارَ، وَأَغْلَبَكَّ الَّذِي كَانَ الْخَلِيفَةُ قَدْ قَبَضَ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ مَحْبِسِهِ.
وَلَمَّا بَلَغَ السُّلْطَانَ مَسْعُودًا خَبَرُهُمْ سَارَ إِلَيْهِمْ مُجِدًّا، فَوَاقَعَهُمْ بِدَايْمَرْجَ عَاشِرَ رَمَضَانَ، وَانْحَازَتْ مَيْسَرَةُ الْخَلِيفَةِ مُخَامِرَةً عَلَيْهِ إِلَى السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ فَصَارَتْ مَعَهُ، وَاقْتَتَلَتْ مَيْمَنَتُهُ وَمَيْسَرَةُ السُّلْطَانِ قِتَالًا ضَعِيفًا، وَدَارَ بِهِ عَسْكَرُ السُّلْطَانِ وَهُوَ ثَابِتٌ لَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْ مَكَانِهِ، وَانْهَزَمَ عَسْكَرُهُ، وَأُخِذَ هُوَ أَسِيرًا، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمُ الْوَزِيرُ شَرَفُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنِ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيُّ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ، وَصَاحِبُ الْمَخْزَنِ ابْنُ طَلْحَةَ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَالْخُطَبَاءُ، وَالْفُقَهَاءُ، وَالشُّهُودُ، وَغَيْرُهُمْ، وَأُنْزِلَ الْخَلِيفَةُ فِي خَيْمَةٍ، وَغَنِمُوا مَا فِي مُعَسْكَرِهِ وَكَانَ كَثِيرًا، فَحُمِلَ الْوَزِيرُ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَصَاحِبُ الْمَخْزَنِ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأَكَابِرِ إِلَى قَلْعَةِ سَرْجَهَانَ، وَبَاعُوا الْبَاقِينَ بِالثَّمَنِ الطَّفِيفِ، وَلَمْ يُقْتَلْ فِي هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ أَحَدٌ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ مَا يُحْكَى.
وَعَادَ السُّلْطَانُ إِلَى هَمَذَانَ، وَأَمَرَ فَنُودِيَ:
مَنْ تَبِعْنَا إِلَى هَمَذَانَ مِنَ الْبَغْدَادَيِّينَ قَتَلْنَاهُ، فَرَجَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى أَقْبَحِ حَالَةٍ لَا يَعْرِفُونَ طَرِيقًا، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَا يَحْمِلُهُمْ، وَسَيَّرَ السُّلْطَانُ الْأَمِيرَ بِكْ أَبَهَ الْمَحْمُودِيَّ إِلَى بَغْدَادَ شِحْنَةً فَوَصَلَهَا سَلْخَ رَمَضَانَ وَمَعَهُ عَبِيدٌ، فَقَبَضُوا جَمِيعَ أَمْلَاكِ الْخَلِيفَةِ، وَأَخَذُوا غَلَّاتِهَا.
وَثَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ عَامَّةِ بَغْدَادَ، فَكَسَرُوا الْمِنْبَرَ وَالشُّبَّاكَ، وَمَنَعُوا مِنَ الْخُطْبَةِ، وَخَرَجُوا إِلَى الْأَسْوَاقِ يَحْثُونَ التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَيَبْكُونَ وَيَصِيحُونَ، وَخَرَجَتِ النِّسَاءُ حَاسِرَاتٍ فِي الْأَسْوَاقِ يَلْطُمْنَ، وَاقْتَتَلَ أَصْحَابُ الشِّحْنَةِ، وَعَامَّةُ بَغْدَادَ، فَقُتِلَ مِنَ الْعَامَّةِ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ قَتِيلًا، وَهَرَبَ الْوَالِي وَحَاجِبُ الْبَابِ.
وَأَمَّا السُّلْطَانُ فَإِنَّهُ سَارَ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَمَذَانَ إِلَى مَرَاغَةَ لِقِتَالِ الْمَلِكِ دَاوُدَ ابْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute