وَالْخُطْبَةِ لِلْمَلِكِ دَاوُدَ ابْنِ أَخِيهِ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، جَمَعَ الْعَسَاكِرِ، وَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ، فَنَزَلَ بِالْمَالِكِيَّةِ، فَسَارَ بَعْضُ الْعَسْكَرِ حَتَّى شَارَفُوا عَسْكَرَهُ وَطَارَدُوهُمْ، وَكَانَ فِي الْجَمَاعَةِ زَيْنُ الدِّينِ عَلِيٌّ أَمِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَتَابَكِ زَنْكِي ثُمَّ عَادُوا، وَوَصَلَ السُّلْطَانُ فَنَزَلَ عَلَى بَغْدَادَ وَحَصَرَهَا وَجَمِيعُ الْعَسَاكِرِ فِيهَا.
وَثَارَ الْعَيَّارُونَ بِبَغْدَادَ وَسَائِرِ مِحَالِّهَا، وَأَفْسَدُوا، وَنَهَبُوا، وَقَتَلُوا، حَتَّى إِنَّهُ وَصَلَ صَاحِبٌ لِأَتَابَكِ زَنْكِي وَمَعَهُ كُتُبٌ، فَخَرَجُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوهَا مِنْهُ، وَقَتَلُوهُ، فَحَضَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَالِّ عِنْدَ الْأَتَابَكِ زَنْكِي، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِنَهْبِ الْمَحَالِّ الْغَرْبِيَّةِ، فَلَيْسَ فِيهَا غَيْرُ عَيَّارٍ وَمُفْسِدٍ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِنَهْبِ الْحَرِيمِ الطَّاهِرِي، فَأُخِذَ مِنْهُ مِنَ الْأَمْوَالِ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَيَّارِينَ [كَثُرُوا] فِيهِ وَأَخَذُوا أَمْوَالَ النَّاسِ.
وَنَهَبَتِ الْعَسَاكِرُ غَيْرَ الْحَرِيمِ مِنَ الْمَحَالِّ، وَحَصَرَهُمُ السُّلْطَانُ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ يَوْمًا فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِمْ، فَعَادَ إِلَى النَّهْرَوَانِ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ إِلَى هَمَذَانَ، فَوَصَلَهُ طِرِنْطَايُ صَاحِبُ وَاسِطَ وَمَعَهُ سُفُنٌ كَثِيرَةٌ، فَعَادَ إِلَيْهَا، وَعَبَرَ فِيهَا إِلَى غَرْبِي دِجْلَةَ، وَأَرَادَ الْعَسْكَرُ الْبَغْدَادَيُّ مَنْعَهُ، فَسَبَقَهُمْ إِلَى الْعُبُورِ، وَاخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ، فَعَادَ الْمَلِكُ دَاوُدُ إِلَى بِلَادِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَتَفَرَّقَ الْأُمَرَاءُ.
وَكَانَ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ فَعَبَرَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ بِاللَّهِ، وَسَارَ مَعَهُ إِلَى الْمَوْصِلِ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ بِمُفَارَقَةِ الْخَلِيفَةِ وَزَنْكِي بَغْدَادَ سَارَ إِلَيْهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا، وَمَنَعَ أَصْحَابَهُ مِنَ الْأَذَى وَالنَّهْبِ.
وَكَانَ وُصُولُهُ مُنْتَصَفَ ذِي الْقَعْدَةِ، فَسَكَنَ النَّاسُ وَاطْمَأَنُّوا بَعْدَ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ، وَأَمَرَ فَجَمَعَ الْقُضَاةَ وَالشُّهُودَ وَالْفُقَهَاءَ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْيَمِينَ الَّتِي حَلَفَ بِهَا الرَّاشِدُ بِاللَّهِ لِمَسْعُودٍ، وَفِيهَا بِخَطِّ يَدِهِ:
إِنِّي مَتَى جَنَّدْتُ أَوْ خَرَجْتُ أَوْ لَقِيتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ بِالسَّيْفِ، فَقَدْ خَلَعْتُ نَفْسِي مِنَ الْأَمْرِ، فَأَفْتَوْا بِخُرُوجِهِ مِنِ الْخِلَافَةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، (وَسَنَذْكُرُهُ فِي خِلَافَةِ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ) .
وَكَانَ الْوَزِيرُ شَرَفُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ طِرَادٍ، وَصَاحِبُ الْمَخْزَنِ كَمَالُ الدَّيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute