بْنُ الْبَقْشَلَامِيِّ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ قَدْ حَضَرُوا مَعَ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَهُ مُذْ أَسَرَهُمْ مِعَ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ، فَقَدَحُوا فِي الرَّاشِدِ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَصْحَابِ الْمَنَاصِبِ بِبَغْدَادَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى ذَمِّهِ، فَتَقَدَّمَ السُّلْطَانُ بِخَلْعِهِ وَإِقَامَةِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ، فَخُلِعَ وَقُطِعَتْ خُطْبَتُهُ فِي بَغْدَادَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَسَائِرِ الْبِلَادِ.
وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَتَلَهُ الْبَاطِنِيَّةُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ خِلَافَةِ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ لَمَّا قُطِعَتْ خُطْبَةُ الرَّاشِدِ بِاللَّهِ اسْتَشَارَ السُّلْطَانُ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ بَغْدَادَ مِنْهُمُ الْوَزِيرُ عَلِيُّ بْنُ طِرَادٍ، وَصَاحِبُ الْمَخْزَنِ، وَغَيْرُهُمَا - فِيمَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَلِيَ الْخِلَافَةَ. فَقَالَ الْوَزِيرُ:
أَحَدُ عُمُومَةِ الرَّاشِدِ، وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ. قَالَ:
مَنْ هُوَ، قَالَ:
مَنْ لَا أَقْدِرُ أَنْ أُفْصِحَ بِاسْمِهِ؛ لِئَلَّا يُقْتَلَ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِعَمَلِ مَحْضَرٍ فِي خَلْعِ الرَّاشِدِ، فَعَمِلُوا مَحْضَرًا ذَكَرُوا فِيهِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَأَشْيَاءَ تَقْدَحُ فِي الْإِمَامَةِ، ثُمَّ كَتَبُوا فَتْوَى:
مَا يَقُولُ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، هَلْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ أَمْ لَا؟ فَأَفْتَوْا أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا.
فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ ذَلِكَ أَحْضَرُوا الْقَاضِيَ أَبَا طَاهِرِ بْنَ الْكَرْخِيِّ، فَشَهِدُوا عِنْدَهُ بِذَلِكَ، فَحَكَمَ بِفِسْقِهِ وَخَلْعِهِ، وَحَكَمَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَكُنْ قَاضِي الْقُضَاةِ حَاضِرًا لِيَحْكُمَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ أَتَابَكْ زَنْكِي بِالْمَوْصِلِ.
ثُمَّ إِنَّ شَرَفَ الدِّينِ الْوَزِيرَ ذَكَرَ لِلسُّلْطَانِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنَ، وَقِيلَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ - وَدِينَهُ، وَعَقْلَهُ، وَعِفَّتَهُ، وَلِينَ جَانِبِهِ، فَحَضَرَ السُّلْطَانُ دَارَ الْخِلَافَةِ وَمَعَهُ الْوَزِيرُ شَرَفُ الدِّينِ الزَّيْنَبِيُّ، وَصَاحِبُ الْمَخْزَنِ ابْنُ الْبَقْشَلَامِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ الْأَمِيرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَسْكُنُ فِيهِ، فَأُحْضِرَ، وَأُجْلِسَ فِي الْمُثَمَّنَةِ، وَدَخَلَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ وَالْوَزِيرُ شَرَفُ الدِّينِ، وَتَحَالَفَا، وَقَرَّرَ الْوَزِيرُ الْقَوَاعِدَ بَيْنَهُمَا، وَخَرَجَ السُّلْطَانُ مِنْ عِنْدِهِ، وَحَضَرَ الْأُمَرَاءُ وَأَرْبَابُ الْمَنَاصِبِ، وَالْقَضَاءِ، وَالْفُقَهَاءُ، وَبَايَعُوا ثَامِنَ عَشَرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَلُقِّبَ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute