بِالْفِرِنْجِ وَابْنِ لِيُونَ، فَلَمَّا دَخَلَتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَصَلَ إِلَى الشَّامِ، وَخَافَهُ النَّاسُ خَوْفًا عَظِيمًا، وَقَصَدَ بُزَاعَةَ فَحَصَرَهَا، وَهِيَ مَدِينَةٌ لَطِيفَةٌ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ حَلَبَ، فَمَضَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ حَلَبَ إِلَى أَتَابَكْ زَنْكِي، وَهُوَ يُحَاصِرُ حِمْصَ، فَاسْتَغَاثُوا بِهِ وَاسْتَنْصَرُوهُ، فَسَيَّرَ مَعَهُمْ كَثِيرًا مِنَ الْعَسَاكِرِ، فَدَخَلُوا إِلَى حَلَبَ لِيَمْنَعُوهَا مِنَ الرُّومِ إِنْ حَصَرُوهَا.
ثُمَّ إِنَّ مَلِكَ الرُّومِ قَاتِلَ بُزَاعَةَ وَنَصَبَ عَلَيْهَا مَنْجَنِيقَاتٍ، وَضَيَّقَ عَلَى مَنْ بِهَا، فَمَلَكَهَا بِالْأَمَانِ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، ثُمَّ غَدَرَ بِأَهْلِهَا فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَأَسَرَ وَسَبَى.
وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ جُرِحَ فِيهَا مَنْ أَهْلِهَا خَمْسَةَ آلَافٍ وَثَمَانِمِائَةِ نَفْسٍ، وَتَنَصَّرَ قَاضِيهَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِهَا نَحْوَ أَرْبَعِمِائَةِ نَفْسٍ.
وَأَقَامَ الرُّومُ بَعْدَ مَلْكِهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ يَتَطَلَّبُونَ مَنِ اخْتَفَى، فَقِيلَ لَهُمْ:
إِنَّ جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ النَّاحِيَةِ قَدْ نَزَلُوا إِلَى الْمَغَارَاتِ، فَدَخَّنُوا عَلَيْهِمْ، وَهَلَكُوا فِي الْمَغَاوِرِ.
ثُمَّ رَحَلُوا إِلَى حَلَبَ فَنَزَلُوا عَلَى فَرِيقٍ، وَمَعَهُمُ الْفِرِنْجُ الَّذِينَ بِسَاحِلِ الشَّامِ، وَزَحَفُوا إِلَى حَلَبَ مِنَ الْغَدِ فِي خَيْلِهِمْ، وَرَجِلِهِمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَحْدَاثُ حَلَبَ، فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ مِنَ الرُّومِ وَجُرِحَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقُتِلَ بِطْرِيقٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ عِنْدَهُمْ، وَعَادُوا خَاسِرِينَ، وَأَقَامُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ يَرَوْا فِيهَا طَمَعًا، فَرَحَلُوا إِلَى قَلْعَةِ الْأَثَارِبِ، فَخَافَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَهَرَبُوا عَنْهَا تَاسِعَ شَعْبَانَ، فَمَلَكَهَا الرُّومُ وَتَرَكُوا فِيهَا سَبَايَا بُزَاعَةَ وَالْأَسْرَى، وَمَعَهُمْ جَمْعٌ مِنَ الرُّومِ يَحْفَظُونَهُمْ وَيَحْمُونَ الْقَلْعَةَ، وَسَارُوا، فَلَمَّا سَمِعَ الْأَمِيرُ أَسْوَارُ بِحَلَبَ ذَلِكَ رَحَلَ فِيمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَى الْأَثَارِبِ، فَأَوْقَعَ بِمَنْ فِيهَا مِنَ الرُّومِ فَقَتَلَهُمْ، وَخَلَّصَ الْأَسْرَى وَالسَّبْيَ وَعَادَ إِلَى حَلَبَ.
وَأَمَّا عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي فَإِنَّهُ فَارِقَ حِمْصَ، وَسَارَ إِلَى سَلَمِيَّةَ فَنَازَلَهَا، وَعَبَرَ ثِقَلُهُ الْفُرَاتَ إِلَى الرَّقَّةِ، وَأَقَامَ جَرِيدَةً لِيَتْبَعَ الرُّومَ وَيَقْطَعَ عَنْهُمُ الْمِيرَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute