وَقَصَدَ السُّلْطَانَ سَنْجَرَ، فَالْتَقَى الْعَسْكَرَانِ، وَكَانَا كَالْبَحْرَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ، بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ قَطَوَانُ، وَطَافَ بِهِمْ كُوخَانْ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى وَادٍ يُقَالُ لَهُ دَرْغَمُ، وَكَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ سَنْجَرَ الْأَمِيرُ قُمَاجُ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ مَلِكُ سِجِسْتَانَ، وَالْأَثْقَالُ وَرَاءَهُمْ، فَاقْتَتَلُوا خَامِسَ صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ.
وَكَانَتِ الْأَتْرَاكُ الْقَارْغَلِيَّةُ الَّذِينَ هَرَبُوا مِنْ سَنْجَرَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ قِتَالًا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ عَسْكَرِ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ أَحْسَنَ قِتَالًا مَنْ صَاحِبِ سِجِسْتَانَ، فَأَجْلَتِ الْحَرْبُ عَنْ هَزِيمَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ مَا لَا يُحْصَى مِنْ كَثْرَتِهِمْ، وَاشْتَمَلَ وَادِي دَرْغَمٍ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى، وَمَضَى السُّلْطَانُ سَنْجَرُ مُنْهَزِمًا، وَأُسِرَ صَاحِبُ سِجِسْتَانَ، وَالْأَمِيرُ قُمَاجُ، وَزَوْجَةُ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ وَهِيَ ابْنَةُ أَرْسِلَانْ خَانْ، فَأَطْلَقَهُمُ الْكُفَّارُ، وَمِمَّنْ قُتِلَ الْحُسَامُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَازَّةَ الْبُخَارِيُّ الْفَقِيهُ الْحَنَفِيُّ الْمَشْهُورُ.
وَلَمْ يَكُنْ فِي الْإِسْلَامِ وَقْعَةٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ وَلَا أَكْثَرُ مِمَّنْ قُتِلَ فِيهَا بِخُرَاسَانَ.
وَاسْتَقَرَّتْ دَوْلَةُ الْخِطَا وَالتُّرْكِ وَالْكُفَّارِ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَبَقِيَ كُوخَانْ إِلَى رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ فَمَاتَ فِيهِ، وَكَانَ جَمِيلًا، حَسَنَ الصُّورَةِ، لَا يَلْبَسُ إِلَّا الْحَرِيرَ الصِّينِيَّ، لَهُ هَيْبَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يُسَلِّطْ أَمِيرًا عَلَى أَقْطَاعٍ بَلْ كَانَ يُعْطِيهِمْ مِنْ عِنْدِهِ وَيَقُولُ:
مَتَّى أَخَذُوا الْأَقْطَاعَ ظَلَمُوا، وَكَانَ لَا يُقَدِّمُ أَمِيرًا عَلَى أَكْثَرِ مِنْ مِائَةِ فَارِسٍ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَى الْعِصْيَانِ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنِ الظُّلْمِ، وَيَنْهَى عَنِ السُّكْرِ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْهَى عَنِ الزِّنَا وَلَا يُقَبِّحُهُ.
وَمَلَكَ بَعْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ فَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَمَلَكَ بَعْدَهَا أُمُّهَا زَوْجَةُ كُوخَانْ وَابْنَةُ عَمِّهِ، وَبَقِيَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ بِيَدِ الْخِطَا إِلَى أَنْ أَخْذَهُ مِنْهُمْ عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدُ خُوَارَزْمُ شَاهْ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute