فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ كُوخَانْ الصِّينِيُّ انْضَافُوا إِلَيْهِ أَيْضًا، فَعَظُمَ شَأْنُهُمْ، وَتَضَاعَفَ جَمْعُهُمْ، وَمَلَكُوا بِلَادَ تُرْكِسْتَانَ، وَكَانُوا إِذَا مَلَكُوا الْمَدِينَةَ لَا يُغَيِّرُونَ عَلَى أَهْلِهَا شَيْئًا، بَلْ يَأْخُذُونَ مَنْ كُلِّ بَيْتٍ دِينَارًا مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ وَغَيْرَهَا مِنَ الْقُرَى، وَأَمَّا الْمُزْدَرَعَاتُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلِأَهْلِهِ، وَكُلُّ مَنْ أَطَاعَهُمْ مِنَ الْمُلُوكِ شَدَّ فِي وَسَطِهِ شِبْهَ لَوْحٍ فِضَّةٍ، فَتِلْكَ عَلَامَةُ مَنْ أَطَاعَهُمْ.
ثُمَّ سَارُوا إِلَى بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ الْخَاقَانُ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُدُودِ خَجَنْدَةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ، وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ الْخَاقَانُ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَادَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، فَعَظُمَ الْخَطْبُ عَلَى أَهْلِهَا، وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ وَالْحُزْنُ، وَانْتَظَرُوا الْبَلَاءَ صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَكَذَلِكَ أَهْلُ بُخَارَى وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَأَرْسَلَ الْخَاقَانُ مَحْمُودٌ إِلَى السُّلْطَانِ سَنْجَرَ يَسْتَمِدُّهُ وَيُنْهِي إِلَيْهِ مَا لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَيَحُثُّهُ عَلَى نُصْرَتِهِمْ، فَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مُلُوكُ خُرَاسَانَ: صَاحِبُ سِجِسْتَانَ، وَالْغَوْرِ، وَمَلِكُ غَزْنَةَ، وَمَلِكُ مَازَنْدَرَانَ، وَغَيْرُهُمْ، فَاجْتَمَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ، وَبَقِيَ الْعَرْضُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.
وَسَارَ سَنْجَرُ إِلَى لِقَاءِ التُّرْكِ، فَعَبَرَ إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدْ خَانْ مِنَ الْأَتْرَاكِ الْقَارْغَلِيَّةِ، فَقَصَدَهُمْ سَنْجَرُ، فَالْتَجَأُوا إِلَى كُوخَانْ الصِّينِيِّ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْكُفَّارِ، وَأَقَامَ سَنْجَرُ بِسَمَرْقَنْدَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ كُوخَانْ كِتَابًا يَتَضَمَّنُ الشَّفَاعَةَ فِي الْأَتْرَاكِ الْقَارْغَلِيَّةِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُشَفِّعْهُ فِيهِمْ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيَتَهَدَّدُهُ إِنْ لَمْ يُجِبْ إِلَيْهِ، وَيَتَوَعَّدُهُ بِكَثْرَةِ عَسَاكِرِهِ، وَوَصَفَهُمْ وَبَالَغَ فِي قِتَالِهِمْ بِأَنْوَاعِ السِّلَاحِ حَتَّى قَالَ: وَإِنَّهُمْ يَشُقُّونَ الشَّعْرَ بِسِهَامِهِمْ، فَلَمْ يَرْضَ هَذَا الْكِتَابَ وَزِيرُهُ طَاهِرُ بْنُ فَخْرِ الْمُلْكِ بْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ فَلَمْ يُصْغِ إِلَيْهِ، وَسَيَّرَ الْكِتَابَ، فَلَمَّا قُرِئَ الْكِتَابُ عَلَى كُوخَانْ أَمَرَ بِنَتْفِ لِحْيَةِ الرَّسُولِ، وَأَعْطَاهُ إِبْرَةً، وَكَلَّفَهُ شَقَّ شَعْرَةٍ مِنْ لِحْيَتِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ يَشُقُّ غَيْرُكَ شَعْرَةً بِسَهْمٍ وَأَنْتَ عَاجِزٌ عَنْ شَقِّهَا بِإِبْرَةٍ؟ .
وَاسْتَعَدَّ كُوخَانْ لِلْحَرْبِ، وَعِنْدَهُ جُنُودُ التُّرْكِ وَالصِّينِ وَالْخِطَا وَغَيْرِهِمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute