للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاتُّفِقَ أَنَّ السُّلْطَانَ سَنْجَرَ خَرَجَ إِلَى الصَّيْدِ، فَرَأَى خَيَّالَةً، فَقَبَضَ عَلَيْهِمْ، فَأَقَرُّوا بِأَنْ أَرْسِلَانْ خَانْ وَضْعَهُمْ عَلَى قَتْلِهِ، فَعَادَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، فَحَصَرَ أَرْسِلَانْ خَانْ بِالْقَلْعَةِ فَمَلَكَهَا، وَأَخَذَهُ أَسِيرًا، وَسَيَّرَهُ إِلَى بَلْخَ فَمَاتَ بِهَا، وَقِيلَ بَلْ غَدَرَ بِهِ سَنْجَرُ، وَاسْتَضْعَفَهُ، فَمَلَكَ الْبَلَدَ مِنْهُ، فَأَشَاعَ عَنْهُ ذَلِكَ.

فَلَمَّا مَلَكَ سَمَرْقَنْدَ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا بَعْدَهُ قِلِجَ طَمْغَاجُ أَبَا الْمَعَالِي الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمَعْرُوفُ بِحَسَنْ تِكِينُ، وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِ بَيْتِ الْخَانِيَّةِ، إِلَّا أَنَّ أَرْسِلَانْ خَانَ اطَّرَحَهُ، فَلَمَّا وَلِيَ سَمَرْقَنْدَ لَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ، فَمَاتَ عَنْ قَلِيلٍ، فَأَقَامَ سَنْجَرُ مَقَامَهُ الْمَلِكَ مَحْمُودَ بْنَ أَرْسِلَانْ خَانْ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بَغْرَاخَانْ، وَهُوَ ابْنُ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ سَنْجَرُ سَمَرْقَنْدَ، وَكَانَ مَحْمُودٌ هَذَا ابْنُ أُخْتِ سَنْجَرَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ قَدْ وَصَلَ الْأَعْوَرُ الصِّينِيُّ إِلَى حُدُودِ كَاشْغَرَ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، فَاسْتَعَدَّ لَهُ صَاحِبُ كَاشْغَرَ وَهُوَ الْخَانْ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَجَمَعَ جُنُودَهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَالْتَقَوْا فَاقْتَتَلُوا، وَانْهَزَمَ الْأَعْوَرُ الصِّينِيُّ، وَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ فَقَامَ مَقَامَهُ كُوخَانْ الصِّينِيُّ.

وَكُوبِلْسَانُ الصِّينِ لَقَبٌ لِأَعْظَمِ مُلُوكِهِمْ، وَخَانْ لَقَبُ الْمُلُوكِ التُّرْكِ فَمَعْنَاهُ أَعْظَمُ الْمُلُوكِ، وَكَانَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ مُلُوكِهِمْ مِنَ الْمِقْنَعَةِ وَالْخِمَارِ، وَكَانَ مَانَوِيَّ الْمَذْهَبِ.

وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الصِّينِ إِلَى تُرْكِسْتَانَ انْضَافَ إِلَيْهِ الْأَتْرَاكُ الْخِطَا، وَكَانُوا قَدْ خَرَجُوا قَبْلَهُ مِنَ الصِّينِ، وَهُمْ فِي خِدْمَةِ الْخَانِيَةِ أَصْحَابِ تُرْكِسْتَانَ.

وَكَانَ أَرْسِلَانْ خَانْ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُسَيِّرُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةَ آلَافِ خَرْكَاةٍ، وَيُنْزِلُهُمْ عَلَى الدُّرُوبِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّينِ، يَمْنَعُونَ أَحَدًا مِنَ الْمُلُوكِ أَنْ يَتَطَرَّقَ إِلَى بِلَادِهِ، وَكَانَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جِرَايَاتٌ وَإِقْطَاعَاتٌ، فَاتُّفِقَ أَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ السِّنِينَ، فَمَنَعَهُمْ عَنْ نِسَائِهِمْ لِئَلَّا يَتَوَالَدُوا، فَعَظُمَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَعْرِفُوا وَجْهًا يَقْصِدُونَهُ، وَتَحَيَّرُوا، فَاتُّفِقَ أَنَّهُ اجْتَازَ بِهِمْ قَفَلٌ عَظِيمٌ فِيهِ الْأَمْوَالُ الْكَثِيرَةُ وَالْأَمْتِعَةُ النَّفْسِيَّةُ، فَأَخَذُوهُ وَأَحْضَرُوا التُّجَّارَ، وَقَالُوا لَهُمْ: إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَمْوَالَكُمْ فَتُعَرِّفُونَا بَلَدًا كَثِيرَ الْمَرْعَى فَسِيحًا، يَسَعُنَا وَمَعَنَا أَمْوَالُنَا، فَاتَّفَقَ رَأْيُ التُّجَّارِ عَلَى بَلَدِ بِلَاسَاغُونَ فَوَصَفُوهُ لَهُمْ، فَأَعَادُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَأَخَذُوا الْمُوَكَّلِينَ بِهِمْ لِمَنْعِهِمْ عَنْ نِسَائِهِمْ وَكَتَّفُوهُمْ، وَأَخَذُوا نِسَاءَهُمْ، وَسَارُوا إِلَى بِلَاسَاغُونَ، وَكَانَ أَرْسِلَانْ خَانْ يَغْزُوهُمْ، وَيُكْثِرُ جِهَادَهُمْ فَخَافُوهُ خَوْفًا عَظِيمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>