للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ أَصْحَابَهُ يَتَفَرَّقُونَ وَيَخْرُجُ الْمَلِكُ وَيَمْلِكُ الْبَلَدَ.

وَكَانَ الْأَمْرُ خِلَافَ مَا ظَنُّوهُ، فَإِنَّ أَصْحَابَهُ وَأَصْحَابَ أَتَابَكَ الَّذِينَ فِي خِدْمَتِهِ لَمَّا رَأَوْا رَأْسَهُ قَاتَلُوا مَنْ بِالدَّارِ مَعَ الْمَلِكِ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُمُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ، وَكَانَتْ دَوْلَةُ أَتَابَكَ مَمْلُوءَةً بِالرِّجَالِ وَالْأَجْلَادِ ذَوِي الرَّأْيِ وَالتَّجْرِبَةِ، ثُمَّ دَخَلَ إِلَيْهِ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ يَحْيَى بْنُ الشَّهْرَزُورِيِّ وَلَمْ يَزَلْ بِهِ يَخْدَعُهُ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُ حِينَ رَآهُ مُنْزَعِجًا: يَا مَوْلَانَا، لِمَ تَحْرَدُ مِنْ هَذَا الْكَلْبِ؟ هَذَا وَأُسْتَاذُهُ مَمَالِيكُكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَاحَنَا مِنْهُ وَمِنْ صَاحِبِهِ عَلَى يَدِكَ، وَمَا الَّذِي يُقْعِدُكَ فِي هَذِهِ الدَّارِ؟ قُمْ لِتَصْعَدَ الْقَلْعَةَ وَتَأْخُذَ الْأَمْوَالَ وَالسِّلَاحَ وَتَمْلِكَ الْبَلَدَ وَتَجْمَعَ الْجُنْدَ، وَلَيْسَ دُونَ الْبِلَادِ بَعْدَ الْمَوْصِلِ مَانِعٌ.

فَقَامَ مَعَهُ وَرَكِبَ الْقَلْعَةَ، فَلَمَّا قَارَبَهَا أَرَادَ مَنْ بِهَا مِنَ النَّقِيبِ وَالْأَجْنَادِ الْقِتَالَ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ تَاجُ الدِّينِ وَقَالَ لَهُمْ: افْتَحُوا الْبَابَ وَتَسَلَّمُوهُ، وَافْعَلُوا بِهِ مَا أَرَدْتُمْ. فَفَتَحُوا الْبَابَ وَدَخَلَ الْمَلِكُ وَالْقَاضِي إِلَيْهَا وَمَعَهُمَا مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ نَصِيرِ الدِّينِ، فَسُجِنُوا وَنَزَلَ الْقَاضِي.

وَبَلَغَ الْخَبَرُ أَتَابَكَ زَنْكِي وَهُوَ يُحَاصِرُ قَلْعَةَ الْبِيرَةِ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى مُلْكِهَا، فَخَافَ أَنْ تَخْتَلِفَ الْبِلَادُ الشَّرْقِيَّةُ بَعْدَ قَتْلِ نَصِيرِ الدِّينِ، فَفَارَقَ الْبِيرَةِ وَأَرْسَلَ زَيْنَ الدِّينِ عَلِيَّ بْنَ بُكْتِكِينَ إِلَى قَلْعَةِ الْمَوْصِلِ وَالِيًا عَلَى مَا كَانَ نَصِيرُ الدِّينِ يَتَوَلَّاهُ.

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَبَضَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ عَلَى وَزِيرِهِ الْبَرُوجُرْدِيِّ، وَوَزَرَ بَعْدَهُ الْمَرْزُبَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ الْأَصْفَهَانِيُّ، وَسُلِّمَ إِلَيْهِ الْبَرُوجُرْدِيُّ، فَاسْتَخْرَجَ أَمْوَالَهُ، وَمَاتَ مَقْبُوضًا.

وَفِيهَا كَانَ أَتَابَكُ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي يُحَاصِرُ الْبِيرَةَ، وَهِيَ لِلْفِرِنْجِ شَرْقِيَّ الْفُرَاتِ بَعْدَ مُلْكِ الرُّهَا، وَهِيَ مِنْ أَمْنَعِ الْحُصُونِ، وَضَيَّقَ عَلَيْهَا وَقَارَبَ أَنْ يَفْتَحَهَا، فَجَاءَهُ خَبَرُ قَتْلِ نَصِيرِ الدِّينِ نَائِبِهِ بِالْمَوْصِلِ، فَرَحَلَ عَنْهَا، وَأَرْسَلَ نَائِبًا إِلَى الْمَوْصِلِ، وَأَقَامَ يَنْتَظِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>