للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْقِتَالِ الْفَقِيهُ حُجَّةُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ دِي نَاسٍ الْفَنْدَلَاوِيُّ الْمَغْرِبِيُّ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَقِيهًا عَالِمًا، فَلَمَّا رَآهُ مُعِينُ الدِّينِ، وَهُوَ رَاجِلٌ، قَصَدَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ، أَنْتَ مَعْذُورٌ لِكِبَرِ سِنِّكَ، وَنَحْنُ نَقُومُ بِالذَّبِّ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَعُودَ، فَلَمْ يَفْعَلْ وَقَالَ لَهُ: قَدْ بِعْتُ وَاشْتَرَى مِنِّي، فَوَاللَّهِ لَا أَقَلْتُهُ وَلَا اسْتَقَلْتُهُ، فَعَنَى قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: ١١١] .

وَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ عِنْدَ النَّيْرَبِ نَحْوَ نِصْفِ فَرْسَخٍ عَنْ دِمَشْقَ.

وَقَوِيَ الْفِرِنْجُ وَضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ، فَتَقَدَّمَ مَلِكُ الْأَلْمَانِ حَتَّى نَزَلَ بِالْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ، فَأَيْقَنَ النَّاسُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَلَدَ. وَكَانَ مُعِينُ الدِّينِ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى سَيْفِ الدِّينِ غَازِي بْنِ أَتَابَكَ زَنْكِي يَدْعُوهُ إِلَى نُصْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَفِّ الْعَدُوِّ عَنْهُمْ، فَجَمَعَ عَسَاكِرَهُ وَسَارَ إِلَى الشَّامِ، وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ أَخَاهُ نُورَ الدِّينِ مَحْمُودًا مِنْ حَلَبَ، فَنَزَلُوا بِمَدِينَةِ حِمْصَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مُعِينِ الدِّينِ يَقُولُ لَهُ: قَدْ حَضَرْتُ وَمَعِي كُلُّ مَنْ يَحْمِلُ السِّلَاحَ فِي بِلَادِي، فَأُرِيدُ أَنْ يَكُونَ نُوَّابِي بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ لِأَحْضُرَ وَأَلْقَى الْفِرِنْجَ، فَإِنِ انْهَزَمْتُ دَخَلْتُ أَنَا وَعَسْكَرِي الْبَلَدَ وَاحْتَمَيْنَا بِهِ، وَإِنْ ظَفِرْتُ فَالْبَلَدُ لَكُمْ لَا أُنَازِعُكُمْ فِيهِ.

فَأَرْسَلَ إِلَى الْفِرِنْجِ يَتَهَدَّدُهُمْ إِنْ لَمْ يَرْحَلُوا عَنِ الْبَلَدِ، فَكَفَّ الْفِرِنْجُ عَنِ الْقِتَالِ خَوْفًا مِنْ كَثْرَةِ الْجِرَاحِ، وَرُبَّمَا اضْطُرُّوا إِلَى قِتَالِ سَيْفِ الدِّينِ، فَأَبْقَوْا عَلَى نُفُوسِهِمْ، فَقَوِيَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى حِفْظِهِ، وَاسْتَرَاحُوا مِنْ لُزُومِ الْحَرْبِ، وَأَرْسَلَ مُعِينُ الدِّينِ إِلَى الْفِرِنْجِ الْغُرَبَاءِ: إِنَّ مَلِكَ الْمَشْرِقِ قَدْ حَضَرَ، فَإِنْ رَحَلْتُمْ، وَإِلَّا سَلَّمْتُ الْبَلَدَ إِلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ تَنْدَمُونَ ; وَأَرْسَلَ إِلَى فِرِنْجِ الشَّامِ يَقُولُ لَهُمْ: بِأَيِّ عَقْلٍ تُسَاعِدُونَ هَؤُلَاءِ عَلَيْنَا، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ إِنْ مَلَكُوا دِمَشْقَ أَخَذُوا مَا بِأَيْدِيكُمْ مِنَ الْبِلَادِ السَّاحِلِيَّةِ، وَأَمَّا أَنَا فَإِنْ رَأَيْتُ الضَّعْفَ عَنْ حِفْظِ الْبَلَدِ سَلَّمْتُهُ إِلَى سَيْفِ الدِّينِ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلِكُ دِمَشْقَ لَا يَبْقَى لَكُمْ مَعَهُ مُقَامٌ فِي الشَّامِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى التَّخَلِّي عَنْ مَلِكِ الْأَلْمَانِ، وَبَذَلَ لَهُمْ تَسْلِيمَ حِصْنِ بَانْيَاسَ إِلَيْهِمْ.

وَاجْتَمَعَ السَّاحِلِيَّةُ بِمَلِكِ الْأَلْمَانِ، وَخَوَّفُوهُ مِنْ سَيْفِ الدِّينِ وَكَثْرَةِ عَسَاكِرِهِ وَتَتَابُعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>