وَالِيَهَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَمِيرُ، فَخَرَجَ إِلَى أَبِيهِ، وَخَرَجَ النَّاسُ لِخُرُوجِهِ، فَدَخَلَهَا الْفِرِنْجُ بِلَا قِتَالٍ ثَانِي عَشَرَ صَفَرٍ ; وَأَمَّا سَفَاقُسُ فَإِنَّ أَهْلَهَا أَتَاهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَامْتَنَعُوا بِهِمْ، فَقَاتَلَهُمُ الْفِرِنْجُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْبَلَدِ، فَأَظْهَرَ الْفِرِنْجُ الْهَزِيمَةَ، وَتَبِعَهُمُ النَّاسُ حَتَّى أُبْعِدُوا عَنِ الْبَلَدِ، ثُمَّ عَطَفُوا عَلَيْهِمْ، فَانْهَزَمَ قَوْمٌ إِلَى الْبَلَدِ وَقَوْمٌ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَدَخَلَ الْفِرِنْجُ الْبَلَدَ فَمَلَكُوهُ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ وَقَتْلَى كَثِيرَةٍ، وَأَسْرِ مَنْ بَقِيَ مِنَ الرِّجَالِ وَسَبْيِ الْحَرِيمِ، وَذَلِكَ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ، ثُمَّ نُودِيَ بِالْأَمَانِ، فَعَادَ أَهْلُهَا إِلَيْهَا، وَافْتَكُّوا حُرَمَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ، وَرُفِقَ بِهِمْ وَبِأَهْلِ سُوسَةَ وَالْمَهْدِيَّةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ وَصَلَتْ كُتُبٌ مِنْ رُجَّارَ لِجَمِيعِ أَهْلِ إِفْرِيقِيَّةَ بِالْأَمَانِ وَالْمَوَاعِيدِ الْحَسَنَةِ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ أَحْوَالُ الْبِلَادِ سَارَ جُرْجِي فِي أُسْطُولٍ إِلَى قَلْعَةِ إِقْلِيبِيَةَ، وَهِيَ قَلْعَةٌ حَصِينَةٌ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا سَمِعَتْهُ الْعَرَبُ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهَا، وَنَزَلَ إِلَيْهِمُ الْفِرِنْجُ، فَاقْتَتَلُوا فَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَرَجَعُوا خَاسِرِينَ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ، وَصَارَ لِلْفِرِنْجِ مِنْ طَرَابُلُسَ الْغَرْبِ إِلَى قُرَيْبِ تُونِسَ، وَمِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى دُونِ الْقَيْرَوَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ حَصْرِ الْفِرِنْجِ دِمَشْقَ وَمَا فَعَلَ سَيْفُ الدِّينِ غَازِي بْنُ زَنْكِي
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ مَلِكُ الْأَلْمَانِ مِنْ بِلَادِهِ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ وَجَمْعٍ عَظِيمٍ مَنِ الْفِرِنْجِ عَازِمًا عَلَى قَصْدِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ لَا يَشُكُّ فِي مُلْكِهَا بِأَيْسَرِ قِتَالٍ لِكَثْرَةِ جُمُوعِهِ، وَتَوَفُّرِ أَمْوَالِهِ وَعُدَدِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الشَّامِ قَصَدَهُ مَنْ بِهِ مِنَ الْفِرِنْجِ وَخَدَمُوهُ، وَامْتَثَلُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ مَعَهُ إِلَى دِمَشْقَ لِيَحْصُرَهَا وَيَمْلِكَهَا بِزَعْمِهِ، فَسَارُوا مَعَهُ وَنَازَلُوهَا وَحَصَرُوهَا، وَكَانَ صَاحِبَهَا مُجِيرُ الدِّينِ أَبَقُ بْنُ بُورِي بْنِ طُغْدِكِينَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِي الْبَلَدِ لِمُعِينِ الدِّينِ أُنُرَ مَمْلُوكِ جَدِّهِ طُغْدِكِينَ، وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ مُجِيرَ الدِّينِ ; وَكَانَ مُعِينُ الدِّينِ عَاقِلًا، وَعَادِلًا، خَيِّرًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، فَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَحَفِظَ الْبَلَدَ.
وَأَقَامَ الْفِرِنْجُ يُحَاصِرُونَهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ زَحَفُوا سَادِسَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِفَارِسِهِمْ وَرَاجِلِهِمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْبَلَدِ وَالْعَسْكَرُ فَقَاتَلُوهُمْ، وَصَبَرُوا لَهُمْ، وَفِيمَنْ خَرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute