وِلَايَتِهِمْ مِائَتَا سَنَةٍ وَثَمَانِي سَنَوَاتٍ، مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ إِلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ ; وَكَانَ بَعْضُ الْقُوَّادِ قَدْ أَرْسَلَهُ الْحَسَنُ إِلَى رُجَّارَ بِرِسَالَةٍ، فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ مِنْهُ أَمَانًا، فَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ، وَلَمَّا مَلَكَ الْمَدِينَةَ نُهِبَتْ مِقْدَارَ سَاعَتَيْنِ، وَنُودِيَ بِالْأَمَانِ، فَخَرَجَ مَنْ كَانَ مُسْتَخْفِيًا، وَأَصْبَحَ جُرْجِي مِنَ الْغَدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ قَرُبَ مِنَ الْعَرَبِ، فَدَخَلُوا إِلَيْهِ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَأَعْطَاهُمْ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَأَرْسَلَ مِنْ جُنْدِ الْمَهْدِيَّةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا بِهَا جَمَاعَةً، وَمَعَهُمْ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْمَهْدِيَّةِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْهَا، وَدَوَابَّ يَحْمِلُونَ الْأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ، وَكَانُوا قَدْ أَشْرَفُوا عَلَى الْهَلَاكِ مِنَ الْجُوعِ، وَلَهُمْ بِالْمَهْدِيَّةِ خَبَايَا وَوَدَائِعُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمُ الْأَمَانُ رَجَعُوا، فَلَمْ تَمْضِ جُمْعَةٌ حَتَّى رَجَعَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْبَلَدِ.
وَأَمَّا الْحَسَنُ فَإِنَّهُ سَارَ بِأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ وَلَدًا ذَكَرًا غَيْرَ الْإِنَاثِ وَخَوَاصِّ خَدَمِهِ، قَاصِدًا إِلَى مُحْرِزِ بْنِ زِيَادٍ، وَهُوَ بِالْمُعَلَّقَةِ، فَلَقِيَهُ فِي طَرِيقِهِ أَمِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ يُسَمَّى حَسَنَ بْنَ ثَعْلَبٍ، فَطَلَبَ مِنْهُ مَالًا انْكَسَرَ لَهُ فِي دِيوَانِهِ، فَلَمْ يُمْكِنِ الْحَسَنَ إِخْرَاجُ مَالٍ لِئَلَّا يُؤْخَذَ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ وَلَدَهُ يَحْيَى رَهِينَةً وَسَارَ، فَوَصَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إِلَى مُحْرِزٍ، وَكَانَ الْحَسَنُ قَدْ فَضَّلَهُ عَلَى جَمِيعِ الْعَرَبِ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَوَصَلَهُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْمَالِ، فَلَقِيَهُ مُحْرِزٌ لِقَاءً جَمِيلًا، وَتَوَجَّعَ لِمَا حَلَّ بِهِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ شُهُورًا، وَالْحَسَنُ كَارِهٌ لِلْإِقَامَةِ، فَأَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْحَافِظِ الْعَلَوِيِّ، وَاشْتَرَى مَرْكَبًا لِسَفَرِهِ، فَسَمِعَ جُرْجِي الْفِرِنْجِيُّ، فَجَهَّزَ شَوَانِيَ لِيَأْخُذَهُ، فَعَادَ الْحَسَنُ عَنْ ذَلِكَ، وَعَزَمَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِالْمَغْرِبِ، فَأَرْسَلَ كِبَارَ أَوْلَادِهِ يَحْيَى وَتَمِيمًا وَعَلِيًّا إِلَى يَحْيَى بْنِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي حَمَّادٍ، وَهُمَا أَوْلَادُ عَمٍّ، يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَتَجْدِيدِ الْعَهْدِ بِهِ، وَالْمَسِيرِ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، فَأَذِنَ لَهُ يَحْيَى، فَسَارَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَصَلَ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِ يَحْيَى، وَسَيَّرَهُ إِلَى جَزِيرَةِ بَنِي مَزْغَنَّاي هُوَ وَأَوْلَادُهُ وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يَمْنَعُهُمْ مِنَ التَّصَرُّفِ، فَبَقُوا كَذَلِكَ إِلَى أَنْ مَلَكَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بِجَايَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَالَهُ هُنَاكَ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ جُرْجِي بِالْمَهْدِيَّةِ سَيَّرَ أُسْطُولًا، بَعْدَ أُسْبُوعٍ، إِلَى مَدِينَةِ سَفَاقُسَ، وَسَيَّرَ أُسْطُولًا آخَرَ إِلَى مَدِينَةِ سُوسَةَ، فَأَمَّا سُوسَةُ فَإِنَّ أَهْلَهَا لَمَّا سَمِعُوا خَبَرَ الْمَهْدِيَّةِ، وَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute