فَقُتِلَ مِنَ الْعَامَّةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَلَمْ يُبْقُوا عَلَى صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ، وَفَتَكُوا فِيهِمْ، فَأُصِيبَ أَهْلُ بَغْدَادَ بِمَا لَمْ يُصَابُوا بِمِثْلِهِ، وَكَثُرَ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى وَأُسِرَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَقُتِلَ الْبَعْضُ وَشُهِّرَ الْبَعْضُ، وَدَفَنَ النَّاسُ مَنْ عَرَفُوا، وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ تُرِكَ طَرِيحًا بِالصَّحْرَاءِ، وَتَفَرَّقَ الْعَسْكَرُ فِي الْمَحَالِّ الْغَرْبِيَّةِ، فَأَخَذُوا مِنْ أَهْلِهَا الْأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ، وَنَهَبُوا بَلَدَ دُجَيْلٍ وَغَيْرَهُ، وَأَخَذُوا النِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ.
ثُمَّ إِنَّ الْأُمَرَاءَ اجْتَمَعُوا وَنَزَلُوا مُقَابِلَ التَّاجِ، وَقَبَّلُوا الْأَرْضَ وَاعْتَذَرُوا، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخَلِيفَةِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، وَعَادُوا إِلَى خِيَامِهِمْ، وَرَحَلُوا إِلَى النَّهْرَوَانِ، فَنَهَبُوا الْبِلَادَ، وَأَفْسَدُوا فِيهَا، وَعَادَ مَسْعُودْ بِلَالْ شِحْنَةُ بَغْدَادَ مِنْ تَكْرِيتَ إِلَى بَغْدَادَ.
ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءَ تَفَرَّقُوا وَفَارَقُوا الْعِرَاقَ، وَتُوُفِّيَ الْأَمِيرُ قَيْصَرُ بِأَذْرَبِيجَانَ، هَذَا كُلُّهُ وَالسُّلْطَانُ مَسْعُودٌ مُقِيمٌ بِبَلَدِ الْجَبَلِ، وَالرُّسُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمِّهِ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ مُتَّصِلَةٌ ; وَكَانَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ قَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَلُومُهُ عَلَى تَقْدِيمِ خَاصِّ بِكْ، وَيَأْمُرُهُ بِإِبْعَادِهِ، وَيَتَهَدَّدُهُ بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَسَيَقْصِدُهُ وَيُزِيلُهُ عَنِ السَّلْطَنَةِ ; وَهُوَ يُغَالِطُ وَلَا يَفْعَلُ، فَسَارَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ إِلَى الرَّيِّ، فَلَمَّا عَلِمَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ بِوُصُولِهِ سَارَ إِلَيْهِ وَتَرَضَّاهُ، وَاسْتَنْزَلَهُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ فَسَكَنَ. وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ انْهِزَامِ الْفِرِنْجِ بِيَغْرَى
فِي هَذِهِ السَّنَةِ هَزَمَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِي الْفِرِنْجَ بِمَكَانٍ اسْمُهُ يَغْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَكَانُوا قَدْ تَجَمَّعُوا لِيَقْصِدُوا أَعْمَالَ حَلَبَ لِيُغِيرُوا عَلَيْهَا، فَعَلِمَ بِهِمْ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فِي عَسْكَرِهِ، فَالْتَقَوْا بِيَغْرَى وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَأَجْلَتِ الْمَعْرَكَةُ عَنِ انْهِزَامِ الْفِرِنْجِ، وَقَتْلِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَأَسْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ مُقَدَّمِيهِمْ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute