للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلصُّوفِيَّةِ بِالْمَوْصِلِ أَيْضًا عَلَى بَابِ الْمَشْرَعَةِ، وَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ لِيَفْعَلَ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَكَانَ عَظِيمَ الْهِمَّةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ كَرَمِهِ أَنَّهُ قَصَدَهُ شِهَابُ الدِّينِ الْحَيْصَ بَيْصَ وَامْتَدَحَهُ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلُهَا:

إِلَامَ يَرَاكَ الْمَجْدُ فِي زِيِّ شَاعِرٍ ... وَقَدْ نَحَلَتْ شَوْقًا فَرُوعُ الْمَنَابِرِ

فَوَصَلَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ عَيْنًا سِوَى الْخِلَعِ وَغَيْرِهَا.

وَلَمَّا تُوُفِّيَ سَيْفُ الدِّينِ غَازِي كَانَ أَخُوهُ قُطْبُ الدِّينِ مُقِيمًا بِالْمَوْصِلِ، فَاتَّفَقَ جَمَالُ الدِّينِ الْوَزِيرُ وَزَيْنُ الدِّينِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْجَيْشِ عَلَى تَمْلِيكِهِ، فَأَحْضَرُوهُ، وَاسْتَحْلَفُوهُ، وَحَلَفُوا لَهُ، وَأَرْكَبُوهُ إِلَى دَارِ السَّلْطَنَةِ، وَزَيْنُ الدِّينِ فِي رِكَابِهِ، وَأَطَاعَهُ جَمِيعُ بِلَادِ سَيْفِ الدِّينِ كَالْمَوْصِلِ، وَالْجَزِيرَةِ، وَالشَّامِ.

وَلَمَّا مُلِّكَ تَزَوَّجَ الْخَاتُّونَ ابْنَةَ حُسَامِ الدِّينِ تِمِرْتَاشَ الَّتِي كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا أَخُوهُ سَيْفُ الدِّينِ وَتُوفِّيَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَهِيَ أَمُّ أَوْلَادِ قُطْبِ الدِّينِ: سَيْفِ الدِّينِ، وَعِزِّ الدِّينِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَوْلَادِهِ.

ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ نُورِ الدِّينِ عَلَى سِنْجَارَ لَمَّا مَلَكَ قُطْبُ الدِّينِ مَوْدُودٌ الْمَوْصِلَ بَعْدَ أَخِيهِ سَيْفِ الدِّينَ غَازِي كَانَ أَخُوهُ الْأَكْبَرُ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودٌ بِالشَّامِ، وَلَهُ حَلَبُ وَحَمَاةُ، فَكَاتَبَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَطَلَبُوهُ، وَفِيمَنْ كَاتَبَهُ الْمُقَدَّمُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَالِدُ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ حِينَئِذٍ مُسْتَحْفِظًا بِسِنْجَارَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْتَدْعِيهِ لِيَتَسَلَّمَ سِنْجَارَ، فَسَارَ جَرِيدَةً فِي سَبْعِينَ فَارِسًا مِنْ أُمَرَاءِ دَوْلَتِهِ، فَوَصَلَ إِلَى مَاكِسِينَ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ قَدْ سَبَقَ أَصْحَابَهُ.

وَكَانَ يَوْمًا شَدِيدَ الْمَطَرِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُمُ الَّذِي يَحْفَظُ الْبَابَ، فَأَخْبَرَ الشِّحْنَةَ أَنْ نَفَرًا مِنَ التُّرْكُمَانِ الْمُتَجَنِّدِينَ قَدْ دَخَلُوا الْبَلَدَ، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ كَلَامَهُ حَتَّى دَخَلَ نُورُ الدِّينِ الدَّارَ عَلَى الشِّحْنَةِ، فَقَامَ إِلَيْهِ وَقَبَّلَ يَدَهُ، وَلَحِقَ بِهِ بَاقِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ سَارَ إِلَى سِنْجَارَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>