فَوَصَلَهَا وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ رِكَابِيٍّ وَسِلَاحِ دَارٍ، وَنَزَلَ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ.
وَأَرْسَلَ إِلَى الْمُقَدَّمِ يُعْلِمُهُ بِوُصُولِهِ، فَرَآهُ الرَّسُولُ وَقَدْ سَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَتَرَكَ وَلَدَهُ شَمْسَ الدِّينِ مُحَمَّدًا بِالْقَلْعَةِ، فَأَعْلَمَهُ بِمَسِيرِ وَالِدِهِ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَأَقَامَ مَنْ لَحِقَ أَبَاهُ بِالطَّرِيقِ، فَأَعْلَمَهُ بِوُصُولِ نُورِ الدِّينِ، فَعَادَ إِلَى سِنْجَارَ فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، فَدَخَلَهَا نُورُ الدِّينِ، وَأَرْسَلَ إِلَى فَخْرِ الدِّينِ قُرَّا أَرْسَلَانَ صَاحِبِ الْحِصْنِ، يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ لِمَوَدَّةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا، فَوَصَلَ إِلَيْهِ فِي عَسْكَرِهِ ; فَلَمَّا سَمِعَ أَتَابَكُ قُطْبُ الدِّينِ، وَجَمَالُ الدِّينِ، وَزَيْنُ الدِّينِ بِالْمَوْصِلِ بِذَلِكَ جَمَعُوا عَسَاكِرَهُمْ وَسَارُوا نَحْوَ سِنْجَارَ، فَوَصَلُوا إِلَى تَلِّ يَعْفَرَ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا عَازِمِينَ عَلَى قَصْدِهِ بِسِنْجَارَ، فَقَالَ لَهُمْ جَمَالُ الدِّينِ: لَيْسَ مِنَ الرَّأْيِ مَحَاقَّتُهُ وَقِتَالُهُ، فَإِنَّنَا نَحْنُ قَدْ عَظَّمْنَا مَحَلَّهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَمَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنَ الْغُزَاةِ، وَجَعَلْنَا أَنْفُسَنَا دُونَهُ، وَهُوَ يُظْهِرُ لِلْفِرِنْجِ تَعْظِيمًا وَأَنَّهُ تَبَعُنَا ; وَلَا يَزَالُ يَقُولُ لَهُمْ: إِنْ كُنْتُمْ كَمَا يَجِبُ، وَإِلَّا سَلَّمْتُ الْبِلَادَ إِلَى صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَحِينَئِذٍ يَفْعَلُ بِكُمْ وَيَصْنَعُ، فَإِذَا لَقِينَاهُ، فَإِنْ هَزَمْنَاهُ طَمِعَ السُّلْطَانُ فِينَا، وَيَقُولُ: هَذَا الَّذِي كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ وَيَحْتَمُونَ بِهِ أَضْعَفُ مِنْهُمْ، وَقَدْ هَزَمُوهُ ; وَإِنْ هُوَ هَزَمَنَا طَمِعَ فِيهِ الْفِرِنْجُ، وَيَقُولُونَ إِنَّ الَّذِينَ كَانَ يَحْتَمِي بِهِمْ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَقَدْ هَزَمَهُمْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ ابْنُ أَتَابَكَ الْكَبِيرِ.
وَأَشَارَ بِالصُّلْحِ، وَسَارَ هُوَ إِلَيْهِ فَاصْطَلَحَ، وَسَلَّمَ سِنْجَارَ إِلَى أَخِيهِ قُطْبِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ مَدِينَةَ حِمْصَ وَالرَّحْبَةَ بِأَرْضِ الشَّامِ وَبَقِيَ الشَّامُ لَهُ، وَدِيَارُ الْجَزِيرَةِ لِأَخِيهِ، وَاتَّفَقَا، وَعَادَ نُورُ الدِّينِ إِلَى الشَّامِ، وَأَخَذَ مَعَهُ مَا كَانَ قَدِ ادَّخَرَهُ أَبُوهُ أَتَابَكُ الشَّهِيدُ فِيهَا مِنَ الْخَزَائِنِ، وَكَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْحَافِظِ وَوِلَايَةِ الظَّافِرِ [وَوِزَارَةِ] ابْنِ السَّلَارِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، تُوُفِّيَ الْحَافِظُ لِدِينِ اللَّهِ عَبْدُ الْمَجِيدِ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute