الْأَمِيرِ أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ الْعَلَوِيِّ، صَاحِبُ مِصْرَ. وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ عِشْرِينَ سَنَةً إِلَّا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، وَعُمْرُهُ نَحْوٌ مِنْ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَلَمْ يَزَلْ فِي جَمِيعِهَا مَحْكُومًا عَلَيْهِ، يَحْكُمُ عَلَيْهِ وُزَرَاؤُهُ، حَتَّى إِنَّهُ جَعَلَ ابْنَهُ حَسَنًا وَزِيرًا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ، فَحَكَمَ عَلَيْهِ وَاسْتَبَدَّ الْأَمْرُ دُونَهُ، وَقَتَلَ كَثِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ دَوْلَتِهِ وَصَادَرَ كَثِيرًا، فَلَمَّا رَأَى الْحَافِظُ ذَلِكَ سَقَاهُ فَمَاتَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وَلَمْ يَلِ الْأَمْرَ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ الْمِصْرِيِّينَ مَنْ أَبَوْهُ غَيْرُ خَلِيفَةٍ غَيْرَ الْحَافِظِ الْعَاضِدِ، وَسَيَرِدُ
ذِكْرُ نَسَبِ الْعَاضِدِ، وَوَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ بِمِصْرَ ابْنُهُ الظَّافِرُ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبُو مَنْصُورٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَافِظُ، وَاسْتَوْزَرَ ابْنَ مَصَّالٍ، فَبَقِيَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُدَبِّرُ الْأُمُورَ، فَقَصَدَهُ الْعَادِلُ بْنُ السَّلَارِ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَنَازَعَهُ فِي الْوِزَارَةِ، وَكَانَ ابْنُ مَصَّالٍ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْقَاهِرَةِ فِي طَلَبِ بَعْضِ الْمُفْسِدِينَ مِنَ السُّودَانِ، فَخَلَفَهُ الْعَادِلُ بِالْقَاهِرَةِ وَصَارَ وَزِيرًا.
وَسَيَّرَ عَبَّاسَ بْنَ أَبِي الْفُتُوحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ تَمِيمِ بْنِ الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسَ الصَّنْهَاجِيَّ فِي عَسْكَرٍ وَهُوَ رَبِيبُ الْعَادِلِ، إِلَى ابْنِ مَصَّالٍ، فَظَفِرَ بِهِ وَقَتَلَهُ، وَعَادَ إِلَى الْقَاهِرَةِ، وَاسْتَقَرَّ الْعَادِلُ وَتَمَكَّنَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيفَةِ مَعَهُ حُكْمٌ.
وَأَمَّا سَبَبُ وُصُولِ الْعَبَّاسِ إِلَى مِصْرَ، فَإِنَّ جَدَّهُ يَحْيَى أَخْرَجَ أَبَاهُ أَبَا الْفُتُوحِ مِنَ الْمَهْدِيَّةِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ يَحْيَى، وَوَلِيَ بَعْدَهُ بِلَادَ إِفْرِيقِيَّةَ ابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ تَمِيمِ [بْنِ يَحْيَى صَاحِبُ] إِفْرِيقِيَّةَ، أَخْرَجَ أَخَاهُ أَبَا الْفُتُوحِ بْنَ يَحْيَى وَالِدَ عَبَّاسٍ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَسَارَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ بَلَّارَةُ ابْنَةُ الْقَاسِمِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسَ، وَوَلَدُهُ عَبَّاسٌ هَذَا وَهُوَ صَغِيرٌ يَرْضَعُ ; وَنَزَلَ أَبُو الْفُتُوحِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَأُكْرِمَ، وَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً يَسِيرَةً، وَتُوفِّيَ وَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ امْرَأَتُهُ بَلَّارَةَ بِالْعَادِلِ بْنَ السَّلَارِ.
وَشَبَّ الْعَبَّاسُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الْحَافِظِ، حَتَّى وَلِيَ الْوِزَارَةَ بَعْدَ الْعَادِلِ ; فَإِنَّ الْعَادِلَ قُتِلَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] . قِيلَ: وَضَعَ عَلَيْهِ عَبَّاسٌ مَنْ قَتَلَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute