فَلَمَّا قُتِلَ وَلِيَ الْوِزَارَةَ بَعْدَهُ، وَتَمَكَّنَ فِيهَا، وَكَانَ جَلْدًا حَازِمًا، وَمَعَ هَذَا فَفِي أَيَّامِهِ أَخَذَ الْفِرِنْجُ عَسْقَلَانَ، وَاشْتَدَّ وَهَنُ الدَّوْلَةِ بِذَلِكَ ; وَفِي أَيَّامِهِ أَخَذَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودٌ دِمَشْقَ مِنْ مُجِيرِ الدِّينِ أَبَقَ، وَصَارَ الْأَمْرُ بَعْدَ هَذَا إِلَى أَنْ أُخِذَتْ مِصْرُ مِنْهُمْ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ عَوْدَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ إِلَى الْعِرَاقِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَجَبٍ، عَادَ الْبَقْشُ كُونْ خَرْ، وَالطُرْنَطَايُّ، وَابْنُ دُبَيْسٍ، وَمَعَهُمْ مَلِكْشَاهْ ابْنُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ إِلَى الْعِرَاقِ، وَرَاسَلُوا الْخَلِيفَةَ فِي الْخُطْبَةِ لِمَلِكْشَاهْ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ، وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ، وَحَصَّنَ بَغْدَادَ، وَأَرْسَلَ إِلَى السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، فَوَعَدَهُ بِالْوُصُولِ إِلَى بَغْدَادَ، فَلَمْ يَحْضُرْ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُصُولِ عَمِّهِ السُّلْطَانِ سَنْجَرُ إِلَى الرَّيِّ فِي مَعْنَى خَاصِّ بِكْ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الرَّيِّ سَارَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ، وَلَقِيَهُ وَاسْتَرْضَاهُ، فَرَضِيَ عَنْهُ ; فَلَمَّا عَلِمَ الْبَقْشُ بِمُرَاسَلَةِ الْخَلِيفَةِ إِلَى مَسْعُودٍ نَهَبَ النَّهْرَوَانَ، وَقَبَضَ عَلَى الْأَمِيرِ عَلِيِّ بْنِ دُبَيْسٍ فِي رَمَضَانَ، فَلَمَّا عَلِمَ الطُّرْنَطَايُّ بِذَلِكَ هَرَبَ إِلَى النُّعْمَانِيَّةِ.
وَوَصَلَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ إِلَى بَغْدَادَ مُنْتَصَفَ شَوَّالٍ، وَرَحَلَ الْبَقْشُ كُونْ خَرْ مِنَ النَّهْرَوَانِ، وَأَطْلَقَ عَلِيَّ بْنَ دُبَيْسٍ، فَلَمَّا وَصَلَ السُّلْطَانُ إِلَى بَغْدَادَ قَصَدَهُ عَلِيٌّ، وَأَلْقَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاعْتَذَرَ، فَرَضِيَ عَنْهُ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ هَذِهِ الْحَادِثَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَذَكَرَ أَيْضًا مِثْلَهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، فَظَنَّهَا حَادِثَتَيْنِ، وَأَنَا أَظُنُّهَا وَاحِدَةً وَلَكِنَّا تَبِعْنَاهُ فِي ذَلِكَ وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ.
ذِكْرُ قَتْلِ الْبِرِنْسِ صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ وَهَزِيمَةِ الْفِرِنْجِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِي بِلَادَ الْفِرِنْجِ مِنْ نَاحِيَةِ أَنْطَاكِيَةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute