ثُمَّ إِنَّ يَحْيَى نَزَلَ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِالْأَمَانِ فَأَمَّنَهُ، وَكَانَ يَحْيَى قَدْ فَرِحَ لَمَّا أُخِذَتْ بِلَادُ إِفْرِيقِيَّةَ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَرَحًا ظَهَرَ عَلَيْهِ، فَكَانَ يَذُمُّهُ، وَيَذْكُرُ مَعَايِبَهُ، فَلَمْ تَطُلِ الْمُدَّةُ حَتَّى أُخِذَتْ بِلَادُهُ، وَوَصَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ فِي جَزَائِرِ بَنِي مَزَغَنَّانَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] سَبَبَ مَصِيرِهِ إِلَيْهَا، وَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ، فَأَرْسَلَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ يَحْيَى بْنَ الْعَزِيزِ إِلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَأَقَامَ بِهَا، وَأَجْرَى عَلَيْهِ شَيْئًا كَثِيرًا.
وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَأَلْزَمَهُ صُحْبَتَهُ، وَأَعْلَى مَرْتَبَتَهُ، فَلَزِمَهُ إِلَى أَنْ فَتَحَ عَبْدُ الْمُؤْمِنَ الْمَهْدِيَّةَ فَجَعَلَهُ فِيهَا، وَأَمَرَ وَالِيَهَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِرَأْيِهِ وَيَرْجِعَ إِلَى قَوْلِهِ.
وَلَمَّا فَتَحَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بِجَايَةَ لَمْ يَتَعَرَّضْ إِلَى مَالِ أَهْلِهَا وَلَا غَيْرِهِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ بَنِي حَمْدُونَ اسْتَأْمَنُوا فَوَفَّى بِأَمَانِهِ.
ذِكْرُ ظَفَرِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِصِنْهَاجَةَ
لَمَّا مَلَكَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بِجَايَةَ تَجَمَّعَتْ صِنْهَاجَةُ فِي أُمَمٍ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ اسْمُهُ أَبُو قَصَبَةَ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُمْ مِنْ كُتَامَةَ وَلُوَاتَةَ وَغَيْرِهِمَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقَصَدُوا حَرْبَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا كَثِيرًا، وَمُقَدَّمُهُمْ أَبُو سَعِيدٍ يَخْلُفُ، وَهُوَ مِنَ الْخَمْسِينَ، فَالْتَقَوْا فِي عُرْضِ الْجَبَلِ شَرْقِيَّ بِجَايَةَ، فَانْهَزَمَ أَبُو قَصَبَةَ وَقُتِلَ أَكْثَرُ مَنْ مَعَهُ، وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَسُبِيَتْ نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيهِمْ.
وَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ صِنْهَاجَةَ سَارُوا إِلَى قَلْعَةِ بَنِي حَمَّادٍ، وَهِيَ مِنْ أَحْصَنِ الْقِلَاعِ وَأَعْلَاهَا لَا تُرَامُ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ شَاهِقٍ يَكَادُ الطَّرْفُ لَا يُحَقِّقُهَا لِعُلُوِّهَا، وَلَكِنَّ الْقَدَرَ إِذَا جَاءَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَعْقِلٌ وَلَا جُيُوشٌ، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُهَا عَسَاكِرَ الْمُوَحِّدِينَ هَرَبُوا مِنْهَا فِي رَءُوسِ الْجِبَالِ، وَمُلِكَتِ الْقَلْعَةُ، وَأُخِذَ جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ وَحُمِلَ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ فَقَسَّمَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute