ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ سَنْجَرَ وَالْغُورِيَّةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ بَيْنَ السُّلْطَانِ [سَنْجَرَ] وَبَيْنَ الْغُورِيَّةِ حَرْبٌ، وَكَانَتْ دَوْلَتُهُمْ أَوَّلَ مَا قَدْ ظَهَرَتْ، وَأَوَّلَ مَنْ مَلَكَ مِنْهُمْ رَجُلٌ اسْمُهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ مَلِكِ جِبَالِ الْغُورِ وَمَدِينَةِ فَيْرُوزَكُوهْ، وَهِيَ تُقَارِبُ أَعْمَالَ غَزْنَةَ، وَقَوِيَ أَمْرُهُ، وَتَلَقَّبَ بِعَلَاءِ الدِّينِ، وَتَعَرَّضَ إِلَى أَعْمَالٍ ; ثُمَّ جَمَعَ جَيْشًا عَظِيمًا، وَقَصَدَ هَرَاةَ مُحَاصِرًا لَهَا، فَنَهَبَ عَسْكَرُهُ نَابَ، وَأَوْبَةَ، وَمَارْبَادَ مِنْ هَرَاةَ وَالرُّوذِ، وَسَارَ إِلَى بَلْخَ وَحَصَرَهَا، فَقَاتَلَهُ الْأَمِيرُ قَمَاجُ، وَمَعَهُ جَمْعٌ مِنَ الْغُزِّ، فَغَدَرُوا بِهِ، وَصَارُوا مَعَ الْغُورِيِّ فَمَلَكَ بَلْخَ، فَلَمَّا سَمِعَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ بِذَلِكَ سَارَ إِلَيْهِ لِيَمْنَعَهُ، فَثَبَتَ لَهُ عَلَاءُ الدِّينِ، وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ الْغُورِيَّةُ، وَأُسِرَ عَلَاءُ الدِّينِ، وَقُتِلَ مِنَ الْغُورِيَّةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، لَا سِيَّمَا الرَّجَّالَةُ، وَأَحْضَرَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ عَلَاءَ الدِّينِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: يَا حُسَيْنُ لَوْ ظَفِرْتَ بِي مَا كُنْتَ تَفْعَلُ بِي؟ فَأَخْرَجَ لَهُ قَيْدَ فِضَّةٍ وَقَالَ: كُنْتُ أُقَيِّدُكَ بِهَذَا وَأَحْمِلُكَ إِلَى فَيْرُوزَكُوهْ ; فَخَلَعَ عَلَيْهِ سَنْجَرُ وَرَدَّهُ إِلَى فَيْرُوزَكُوهْ فَبَقِيَ بِهَا مُدَّةً.
ثُمَّ إِنَّهُ قَصَدَ غَزْنَةَ وَمَلَكَهَا حِينَئِذٍ بَهْرَامْ شَاهْ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ عَلَاءِ الدِّينِ، بَلْ فَارَقَهَا إِلَى مَدِينَةِ كَرْمَانَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ بَيْنَ غَزْنَةَ وَالْهِنْدِ، وَسُكَّانُهَا قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ أَبْغَانُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ بِالْوِلَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِكَرْمَانَ. فَلَمَّا فَارَقَ بَهْرَامْ شَاهْ غَزْنَةَ مَلَكَهَا عَلَاءُ الدِّينِ الْغُورِيُّ، وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ [فِي أَهْلِهَا] وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ أَخَاهُ سَيْفَ الدِّينِ سُورِي، وَأَجْلَسَهُ عَلَى تَخْتِ الْمَمْلَكَةِ، وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ وَلِأَخِيهِ سَيْفِ الدِّينِ بَعْدَهُ.
ثُمَّ عَادَ عَلَاءُ الدِّينِ إِلَى بَلَدِ الْغُورِ، وَأَمَرَ أَخَاهُ أَنْ يَخْلَعَ عَلَى أَعْيَانِ الْبَلَدِ خِلَعًا نَفِيسَةً، وَيَصِلَهُمْ بِصِلَاتٍ سَنِيَّةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَأَحْسَنَ [إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا] جَاءَ الشِّتَاءُ، وَوَقَعَ الثَّلْجُ، وَعَلِمَ أَهْلُ غَزْنَةَ أَنَّ الطَّرِيقَ قَدِ انْقَطَعَ إِلَيْهِمْ [كَاتَبُوا بَهْرَامْ شَاهْ الَّذِي كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute