للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضُهَا بَعْضًا ; وَلِأَنَّ فِيهِ مَا لَمْ يُعَرَفْ تَارِيخُهُ فَتَرَكْنَاهُ بِحَالِهِ.

ذِكْرُ مُلْكِ شِهَابِ الدِّينِ مَدِينَةَ آجُرَةَ مِنْ بَلَدِ الْهِنْدِ

لَمَّا رَجَعَ شِهَابُ الدِّينِ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى غَزْنَةَ أَقَامَ بِهَا حَتَّى أَرَاحَ وَاسْتَرَاحَ هُوَ وَعَسَاكِرُهُ، ثُمَّ سَارَ إِلَى بَلَدِ الْهِنْدِ، فَحَاصَرَ مَدِينَةَ آجُرَةَ، وَبِهَا مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْهِنْدِ، فَلَمْ يَظْفَرْ مِنْهُ بِطَائِلٍ، وَكَانَ لِلْهِنْدِيِّ زَوْجَةٌ غَالِبَةٌ عَلَى أَمْرِهِ، فَرَاسَلَهَا شِهَابُ الدِّينِ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا، فَأَعَادَتِ الْجَوَابَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لَهُ، وَأَنَّ لَهَا ابْنَةً جَمِيلَةً تُزَوِّجُهُ إِيَّاهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا يُجِيبُهَا إِلَى التَّزَوُّجِ بِابْنَتِهَا، فَسَقَتْ زَوْجَهَا سُمًّا فَمَاتَ وَسَلَّمَتِ الْبَلَدَ إِلَيْهِ.

فَلَمَّا تَسَلَّمَهُ أَخَذَ الصَّبِيَّةَ فَأَسْلَمَتْ، وَتَزَوَّجَهَا، وَحَمَلَهَا إِلَى غَزْنَةَ وَأَجْرَى عَلَيْهَا الْجِرَايَاتِ الْوَافِرَةَ، وَوَكَّلَ بِهَا مَنْ عَلَّمَهَا الْقُرْآنَ، وَتَشَاغَلَ عَنْهَا، فَتُوُفِّيَتْ وَالِدَتُهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ هِيَ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، وَلَمْ يَرَهَا وَلَمْ يَقْرَبْهَا، فَبَنَى لَهَا مَشْهَدًا وَدَفَنَهَا فِيهِ، وَأَهْلُ غَزْنَةَ يَزُورُونَ قَبْرَهَا.

ثُمَّ عَادَ إِلَى بَلَدِ الْهِنْدِ، فَذَلَّ لَهُ صِعَابُهَا، وَتَيَسَّرَ لَهُ فَتْحُ الْكَثِيرِ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَدَوَّخَ مُلُوكَهُمْ، وَبَلَغَ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ.

ذِكْرُ ظَفَرِ الْهِنْدِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ

لَمَّا اشْتَدَّتْ نِكَايَةُ شِهَابِ الدِّينِ فِي بِلَادِ الْهِنْدِ وَإِثْخَانُهُ فِي أَهْلِهَا وَاسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهَا، اجْتَمَعَ مُلُوكُهُمْ وَتَآمَرُوا بَيْنَهُمْ، وَوَبَّخَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَالتَّعَاضُدِ عَلَى حَرْبِهِ، فَجَمَعُوا عَسَاكِرَهُمْ وَحَشَدُوا، وَأَقْبَلَ إِلَيْهِمُ الْهُنُودُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ، وَجَاءُوا بِحَدِّهِمْ وَحَدِيدِهِمْ، وَكَانَ الْحَاكِمُ عَلَى جَمِيعِ الْمُلُوكِ الْمُجْتَمِعِينَ امْرَأَةً هِيَ مِنْ أَكْبَرِ مُلُوكِهِمْ.

فَلَمَّا سَمِعَ بِاجْتِمَاعِهِمْ وَمَسِيرِهِمْ إِلَيْهِ تَقَدَّمَ هُوَ أَيْضًا إِلَيْهِمْ فِي عَسْكَرٍ عَظِيمٍ مِنَ الْغُورِيَّةِ وَالْخَلْجِ وَالْخُرَاسَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ كَثِيرُ قَتَّالٍ حَتَّى انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَرَكِبَهُمُ الْهُنُودُ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، وَأَثْخَنُوا فِيهِمْ، وَأَصَابَ شِهَابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>