للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدِّينِ ضَرْبَةٌ بَطَلَتْ مِنْهَا يَدُهُ الْيُسْرَى، وَضَرْبَةٌ أُخْرَى عَلَى رَأْسِهِ سَقَطَ مِنْهَا إِلَى الْأَرْضِ، وَحَجَزَ اللَّيْلُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَأَحَسَّ شِهَابُ الدِّينِ بِجَمَاعَةٍ مِنْ غِلْمَانِهِ الْأَتْرَاكِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَهُمْ يَطْلُبُونَهُ فِي الْقَتْلَى وَيَبْكُونَ، وَقَدْ رَجَعَ الْهُنُودُ إِلَى وَرَائِهِمْ، وَكَلَّمَهُمْ وَهُوَ عَلَى مَا بِهِ مِنَ الْجَهْدِ، فَجَاءُوا إِلَيْهِ مُسْرِعِينَ، وَحَمَلُوهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ رَجَّالَةً يَتَنَاوَبُونَ حَمْلَهُ، حَتَّى بَلَغُوا مَدِينَةَ آجُرَةَ مَعَ الصَّبَاحِ.

وَشَاعَ خَبَرُ سَلَامَتِهِ فِي النَّاسِ، فَجَاءُوا إِلَيْهِ يُهَنِّئُونَهُ مِنْ أَقْطَارِ الْبِلَادِ، فَأَوَّلُ مَا عَمِلَ أَنَّهُ أَخَذَ أُمَرَاءَ الْغُورِيَّةِ الَّذِينَ انْهَزَمُوا عَنْهُ وَأَسْلَمُوهُ، فَمَلَأَ مَخَالِيَ خَيْلِهِمْ شَعِيرًا، وَحَلَفَ لَئِنْ لَمْ يَأْكُلُوهُ لَيَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَهُمْ، فَأَكَلُوهُ ضَرُورَةً.

وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى أَخِيهِ غِيَاثِ الدِّينِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَلُومُهُ عَلَى عَجَلَتِهِ وَإِقْدَامِهِ وَأَنْفَذَ إِلَيْهِ جَيْشًا عَظِيمًا.

ذِكْرُ ظَفَرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْهِنْدِ

لَمَّا سَلِمَ شِهَابُ الدِّينِ وَعَادَ إِلَى آجِرَةَ، وَأَتَاهُ الْمَدَدُ مِنْ أَخِيهِ غِيَاثِ الدِّينِ، عَادَ الْهُنُودُ فَجَدَّدُوا سِلَاحَهُمْ، وَوَفَّرُوا جَمْعَهُمْ، وَأَقَامُوا عِوَضَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَسَارَتْ مَلِكَتُهُمْ وَهُمْ مَعَهَا فِي عَدَدٍ يَضِيقُ عَنْهُ الْفَضَاءُ، فَرَاسَلَهَا شِهَابُ الدِّينِ يَخْدَعُهَا بِأَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا، فَلَمْ تُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَتْ: إِمَّا الْحَرْبُ، وَإِمَّا أَنْ تُسَلِّمَ بِلَادَ الْهِنْدِ وَتَعُودَ إِلَى غَزْنَةَ، فَأَجَابَهَا إِلَى الْعَوْدِ إِلَى غَزْنَةَ، وَأَنَّهُ يَسْتَأْذِنُ أَخَاهُ غِيَاثَ الدِّينِ؛ فَعَلَ ذَلِكَ مَكْرًا وَخَدِيعَةً.

وَكَانَ بَيْنَ الْعَسْكَرَيْنِ نَهْرٌ، وَقَدْ حَفِظَ الْهُنُودُ الْمَخَاضَاتُ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [أَنْ] يَجُوزَهُ، وَأَقَامُوا يَنْتَظِرُونَ مَا يَكُونُ مِنْ جَوَابِ غِيَاثِ الدِّينِ بِزَعْمِهِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ وَصَلَ إِنْسَانٌ هِنْدِيٌّ إِلَى شِهَابِ الدِّينِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَعْرِفُ مَخَاضًا قَرِيبًا مِنْ عَسْكَرِ الْهُنُودِ، وَطَلَبَ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ جَيْشًا يُعَبِّرُهُمُ الْمَخَاضَ، وَيَكْبِسُونَ الْهُنُودَ وَهُمْ غَارُّونَ غَافِلُونَ، فَخَافَ شِهَابُ الدِّينِ أَنْ تَكُونَ خَدِيعَةً وَمَكْرًا، فَأَقَامَ لَهُ ضُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ آجُرَةَ وَالْمُولْتَانِ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ جَيْشًا كَثِيفًا، وَجَعَلَ عَلَيْهِمُ الْأَمِيرَ الْحُسَيْنَ بْنَ خَرْمِيلَ الْغَوْرِيَّ، وَهُوَ الَّذِي صَارَ بَعْدُ صَاحِبَ هَرَاةَ، وَكَانَ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالرَّأْيِ بِالْمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>