وَيَتْرُكَهُمْ فِي مَرَاعِيهِمْ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَجَمَعَ عَسَاكِرَهُ مِنْ أَطْرَافِ الْبِلَادِ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ، وَقَصَدَهُمْ وَوَقَعَ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ شَدِيدَةٌ، فَانْهَزَمَتْ عَسَاكِرُ سَنْجَرَ، وَانْهَزَمَ هُوَ أَيْضًا، وَتَبِعَهُمُ الْغُزُّ قَتْلًا وَأَسْرًا، فَصَارَ قَتْلَى الْعَسْكَرِ كَالتِّلَالِ، وَقُتِلَ عَلَاءُ الدِّينِ قَمَاجَ، وَأُسِرَ [السُّلْطَانُ سَنْجَرُ وَأُسِرَ] مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ، [فَأَمَّا الْأُمَرَاءُ] فَضَرَبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَأَمَّا السُّلْطَانُ سَنْجَرُ، فَإِنَّ أُمَرَاءَ الْغُزِّ اجْتَمَعُوا، وَقَبَّلُوا الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالُوا: نَحْنُ عَبِيدُكَ لَا نَخْرُجُ عَنْ طَاعَتِكَ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ لَمْ تُرِدْ قِتَالَنَا وَإِنَّمَا حُمِلْتَ عَلَيْهِ، فَأَنْتَ السُّلْطَانُ وَنَحْنُ الْعَبِيدُ ; فَمَضَى عَلَى ذَلِكَ شَهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَدَخَلُوا مَعَهُ إِلَى مَرْوَ وَهِيَ كُرْسِيُّ مُلْكِ خُرَاسَانَ، وَطَلَبَهَا مِنْهُ بُخْتِيَارُ إِقْطَاعًا، فَقَالَ السُّلْطَانُ: هَذِهِ دَارُ الْمُلْكِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِقْطَاعًا لِأَحَدٍ. فَضَحِكُوا مِنْهُ وَحَبَقَ لَهُ بُخْتِيَارُ بِفَمِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ عَنْ سَرِيرِ الْمُلْكِ وَدَخَلَ خَانَكَانِ مَرْوَ وَتَابَ عَنِ الْمُلْكِ.
وَاسْتَوْلَى الْغُزُّ عَلَى الْبِلَادِ، وَظَهَرَ مِنْهُمْ مِنَ الْجَوْرِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَوَلَّوْا عَلَى نَيْسَابُورَ وَالِيًا، فَسَقَطَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا وَعَسَفَهُمْ وَضَرَبَهُمْ، وَعَلَّقَ فِي الْأَسْوَاقِ ثَلَاثَ غَرَائِرَ، وَقَالَ: أُرِيدُ مَلْءَ هَذِهِ ذَهَبًا ; فَثَارَ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ فَقَتَلُوهُ وَمَنْ مَعَهُ، فَرَكِبَ الْغُزُّ وَدَخَلُوا نَيْسَابُورَ وَنَهَبُوهَا مُجْحِفًا، وَجَعَلُوهَا قَاعًا صَفْصَفًا، وَقَتَلُوا الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ وَأَحْرَقُوهَا، وَقَتَلُوا الْقُضَاةَ وَالْعُلَمَاءَ فِي الْبِلَادِ كُلِّهَا، فَمِمَّنْ [قُتِلَ] الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَرْسَابَنْدِيُّ، وَالْقَاضِي عَلِيُّ بْنُ مَسْعُودٍ، وَالشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى.
وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ فِي مَرَاثِي مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، فَمِمَّنْ قَالَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَاتِبُ:
مَضَى الَّذِي كَانَ يُجْنَى الدُّرُّ مِنْ فِيهِ ... يَسِيلُ بِالْفَضْلِ وَالْإِفْضَالِ وَادِيهِ
مَضَى ابْنُ يَحْيَى الَّذِي قَدْ كَانَ صَوْبَ ... حَيًا لِأَبْرَ شَهْرَ وَمِصْبَاحًا لِدَاجِيهِ
خَلَا خُرَاسَانُ مِنْ عِلْمٍ وَمِنْ وَرَعٍ ... لَمَّا نَعَاهُ إِلَى الْآفَاقِ نَاعِيهِ
لَمَّا أَمَاتُوهُ مَاتَ الدِّينُ وَا أَسَفًا ... مَنْ ذَا الَّذِي بَعْدَ مُحْيِي الدِّينِ يُحْيِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute