وَيَتَعَذَّرُ وَصْفُ مَا جَرَى مِنْهُمْ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ جَمِيعِهَا، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ خُرَاسَانَ شَيْءٌ لَمْ تَنْهَبْهُ الْغُزُّ غَيْرَ هَرَاةَ وَدِهِسْتَانَ ; لِأَنَّهَا كَانَتْ حَصِينَةً فَامْتَنَعَتْ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مُؤَرِّخِي خُرَاسَانَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ مَا فِيهِ زِيَادَةُ وُضُوحٍ، وَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْغُزَّ قَوْمٌ انْتَقَلُوا مِنْ نَوَاحِي الثَّغْرِ مِنْ أَقَاصِي التُّرْكِ إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِي أَيَّامِ الْمَهْدِيِّ، وَأَسْلَمُوا، وَاسْتَنْصَرَ بِهِمُ الْمُقَنَّعُ صَاحِبُ الْمَخَارِيقِ وَالشَّعْبَذَةِ، حَتَّى تَمَّ أَمْرُهُ، فَلَمَّا سَارَتِ الْعَسَاكِرُ إِلَيْهِ خَذَلَهُ هَؤُلَاءِ الْغُزُّ وَأَسْلَمُوهُ، وَهَذِهِ عَادَتُهُمْ فِي كُلِّ دَوْلَةٍ كَانُوا فِيهَا ; وَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ مَعَ الْمُلُوكِ الْخَاقَانِيَّةِ، إِلَّا أَنَّ الْأَتْرَاكَ الْقَارَغْلِيَّةَ قَمَعُوهُمْ، وَطَرَدُوهُمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ، فَدَعَاهُمُ الْأَمِيرُ زَنْكِي بْنُ خَلِيفَةَ الشَّيْبَانِيُّ الْمُسْتَوْلِي عَلَى حُدُودِ طَخَارِسْتَانَ إِلَيْهِ، وَأَنْزَلَهُمْ بِلَادَهُ، وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمِيرِ قَمَاجَ عَدَاوَةٌ أَحْكَمَتْهَا الْأَيَّامُ لِلْمُجَاوَرَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُرِيدُ أَنْ يَعْلُوَ عَلَى الْآخَرِ وَيَحْكُمَ عَلَيْهِ، فَتَقَوَّى بِهِمْ زَنْكِي، وَسَارُوا مَعَهُ إِلَى بَلْخَ لِمُحَارَبَةِ قَمَاجَ، فَكَاتَبَهُمْ قَمَاجُ، فَمَالُوا إِلَيْهِ، وَخَذَلُوا زَنْكِي عِنْدَ الْحَرْبِ، فَأُخِذَ زَنْكِي وَابْنُهُ أَسِيرَيْنِ، فَقَتَلَ قَمَاجُ ابْنَ زَنْكِي، وَجَعَلَ يُطْعِمُ أَبَاهُ لَحْمَهُ، ثُمَّ قَتَلَ الْأَبَ أَيْضًا، وَأَقْطَعَ قَمَاجُ الْغُزَّ مَوَاضِعَ، وَأَبَاحَهُمْ مَرَاعِيَ بِلَادِهِ.
فَلَمَّا قَامَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْغُورِيُّ بِغَزْنَةَ وَقَصَدَ بَلْخَ خَرَجَ إِلَيْهِ قَمَاجُ وَعَسَاكِرُهُ وَمَعَهُ الْغُزُّ، فَفَارَقَهُ الْغُزُّ وَانْضَمُّوا إِلَى الْغَوْرِيِّ حَتَّى مَلَكَ مَدِينَةَ بَلْخَ، فَسَارَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ إِلَى بَلْخَ، فَفَارَقَهَا الْغَوْرِيُّ بَعْدَ قِتَالٍ انْهَزَمَ مِنْهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ سَنْجَرَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ، فَرَدَّهُ إِلَى غَزْنَةَ.
وَبَقِيَ الْغُزُّ بِنَوَاحِي طَخَارِسْتَانَ وَفِي نَفْسِ قَمَاجَ مِنْهُمُ الْغَيْظُ الْعَظِيمُ لِمَا فَعَلُوهُ مَعَهُ، فَأَرَادَ صَرْفَهُمْ عَنْ بِلَادِهِ، فَتَجَمَّعُوا، وَانْضَمَّ إِلَيْهِمْ طَوَائِفُ مِنَ التُّرْكِ، وَقَدَّمُوا عَلَيْهِمْ أَرْسَلَانَ بُوقَا التُّرْكِيَّ، فَجَمَعَ قَمَاجُ عَسْكَرَهُ وَلَقِيَهُمْ فَاقْتَتَلُوا يَوْمًا كَامِلًا إِلَى اللَّيْلِ، فَانْهَزَمَ قَمَاجُ وَعَسْكَرُهُ، وَأُسِرَ هُوَ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَتَلُوهُمَا، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى نَوَاحِي بَلْخَ، وَعَاثُوا فِيهَا وَأَفْسَدُوا بِالنَّهْبِ وَالْقَتْلِ وَالسَّلْبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute