وَبَلَغَ السُّلْطَانَ سَنْجَرَ الْخَبَرُ، فَجَمْعَ عَسَاكِرَهُ وَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَرَاسَلُوهُ يَعْتَذِرُونَ وَيَتَنَصَّلُونَ، فَلَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُمْ، وَوَصَلَ إِلَيْهِمْ مُقَدِّمَةُ السُّلْطَانِ، وَفِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ قَمَاجَ الْمَقْتُولِ، وَالْمُؤَيَّدُ أَيْ أَبَهْ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَوَصَلَ بَعْدَهُمُ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ، فَالْتَقَاهُ الْغُزُّ بَعْدَ أَنْ أَرْسَلُوا يَعْتَذِرُونَ وَيَبْذُلُونَ الْأَمْوَالَ وَالطَّاعَةَ وَالِانْقِيَادَ إِلَى كُلِّ مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ سَنْجَرُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَلَقُوهُ وَقَاتَلُوهُ وَصَبَرُوا لَهُ، وَدَامَ قِتَالُهُمْ، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ سَنْجَرَ، وَهُوَ مَعَهُمْ، فَتَوَجَّهُوا إِلَى بَلْخَ عَلَى أَقْبَحِ صُورَةٍ، وَتَبِعَهُمُ الْغُزُّ، وَاقْتَتَلُوا مَرَّةً ثَانِيَةً، فَانْهَزَمَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ أَيْضًا، وَمَضَى مُنْهَزِمًا إِلَى مَرْوَ فِي صَفَرٍ مِنَ السَّنَةِ، فَقَصَدَ الْغُزُّ إِلَيْهَا، فَلَمَّا سَمِعَ الْعَسْكَرُ الْخُرَاسَانِيُّ بِقُرْبِهِمْ مِنْهُمْ أَجْفَلُوا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ هَارِبِينَ لِمَا دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْ خَوْفِهِمْ وَالرُّعْبِ مِنْهُمْ، فَلَمَّا فَارَقَهَا السُّلْطَانُ وَالْعَسْكَرُ دَخَلَهَا الْغُزُّ وَنَهَبُوهَا أَفْحَشَ نَهْبٍ وَأَقْبَحَهُ، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ، وَقُتِلَ بِهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِهَا وَأَعْيَانِهَا، مِنْهُمْ قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَرْسَابَنْدِيُّ، وَالْقَاضِي عَلِيُّ بْنُ مَسْعُودٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَلَمَّا خَرَجَ سَنْجَرُ مِنْ مَرْوَ قَصَدَ إِنْدِرَابَةَ وَأَخَذَهُ الْغُزُّ أَسِيرًا، وَأَجْلَسُوهُ عَلَى تَخْتِ السَّلْطَنَةِ عَلَى عَادَتِهِ، وَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبَذَلُوا لَهُ طَاعَةً، ثُمَّ عَاوَدُوا الْغَارَةَ عَلَى مَرْوَ فِي رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ، فَمَنَعَهُمْ أَهْلُهَا، وَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا بَذَلُوا فِيهِ جُهْدَهُمْ وَطَاقَتَهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عَجَزُوا، فَاسْتَسْلَمُوا إِلَيْهِمْ، فَنَهَبُوهَا أَقْبَحَ مِنَ النَّهْبِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتْرُكُوا بِهَا شَيْئًا.
وَكَانَ قَدْ فَارَقَ سَنْجَرَ جَمِيعُ أُمَرَاءِ خُرَاسَانَ وَوَزِيرُهُ طَاهِرُ بْنُ فَخْرِ الْمُلْكِ ابْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ، وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ غَيْرُ نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ خَوَاصِّهِ وَخَدَمِهِ ; فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى نَيْسَابُورَ أَحْضَرُوا الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ شَاهْ ابْنَ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، فَوَصَلَ إِلَى نَيْسَابُورَ تَاسِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنَ السَّنَةِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَخَطَبُوا لَهُ بِالسَّلْطَنَةِ، وَسَارَ فِي هَذَا الشَّهْرِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَسْكَرِ السُّلْطَانِيِّ إِلَى طَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْغُزِّ، فَأَوْقَعُوا بِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ كَثِيرًا، وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ إِلَى أُمَرَائِهِمُ الْغُزِّيَّةِ فَاجْتَمَعُوا مَعَهُمْ.
وَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ عَلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ شَاهْ سَارُوا إِلَى مَرْوَ يَطْلُبُونَ الْغُزَّ، فَبَرَزَ الْغُزُّ إِلَيْهِمْ، فَسَاعَةَ رَآهُمُ الْعَسْكَرُ الْخُرَاسَانِيُّ انْهَزَمُوا وَوَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute