للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وِلَايَةِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ لِلْعَهْدِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] .

ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ مَدِينَةَ بُونَةَ وَمَوْتِ رُجَّارَ وَمُلْكِ ابْنِهِ غُلْيَالِمَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ أُسْطُولُ رُجَّارَ مَلِكِ الْفِرِنْجِ بِصِقِلِّيَةَ إِلَى مَدِينَةِ بُونَةَ، وَكَانَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ فَتَاهُ فِيلِبَ الْمَهْدَوِيَّ فَحَصَرَهَا وَاسْتَعَانَ بِالْعَرَبِ عَلَيْهَا، فَأَخَذُوهَا فِي رَجَبٍ، وَسَبَى أَهْلَهَا، وَمَلَكَ مَا فِيهَا، غَيْرَ أَنَّهُ أَغْضَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ، حَتَّى خَرَجُوا بِأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إِلَى الْقُرَى، فَأَقَامَ بِهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَعَادَ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ وَبَعْضُ الْأَسْرَى مَعَهُ، وَعَادَ إِلَى صِقِلِّيَةَ فَقَبَضَ رُجَّارُ عَلَيْهِ لِمَا اعْتَمَدَهُ مِنَ الرِّفْقِ بِالْمُسْلِمِينَ فِي بُونَةَ.

وَكَانَ فِيلِبُ، يُقَالُ إِنَّهُ وَجَمِيعُ فِتْيَانِهِ مُسْلِمُونَ، يَكْتُمُونَهُ ذَلِكَ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصُومُ مَعَ الْمَلِكِ، وَأَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَجَمَعَ رُجَّارُ الْأَسَاقِفَةَ وَالْقُسُوسَ وَالْفُرْسَانَ، فَحَكَمُوا بِأَنْ يُحْرَقَ، فَأُحْرِقَ فِي رَمَضَانَ، وَهَذَا أَوَّلُ وَهَنٍ دَخَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِصِقِلِّيَةَ. وَلَمْ يُمْهِلِ اللَّهُ رُجَّارَ بَعْدَهُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى [مَاتَ] فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ، وَكَانَ مَرَضُهُ الْخَوَانِيقَ، وَكَانَ عُمْرُهُ قَرِيبَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَكَانَ مُلْكُهُ نَحْوَ سِتِّينَ سَنَةً ; وَلَمَّا مَاتَ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ غُلْيَالِمُ، وَكَانَ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ سَيِّئَ التَّصْوِيرِ، فَاسْتَوْزَرَ مَايُو الْبُرْصَانِيَّ، فَأَسَاءَ التَّدْبِيرَ، فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ حُصُونٌ مِنْ جَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ، وَبِلَادِ قَلُّورِيَّةَ، وَتَعَدَّى الْأَمْرُ إِلَى إِفْرِيقِيَةَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.

ذِكْرُ وَفَاةِ بَهْرَامْ شَاهْ صَاحِبِ غَزْنَةَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي رَجَبٍ تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ بَهْرَامْ شَاهْ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ صَاحِبُ غَزْنَةَ بِهَا، وَقَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ نِظَامُ الدِّينِ خُسْرُوشَاهْ، وَكَانَتْ وِلَايَةُ بَهْرَامْ شَاهْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ عَادِلًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، جَمِيلَ الطَّرِيقَةِ، مُحِبًّا لِلْعُلَمَاءِ، مُكْرِمًا لَهُمْ، بَاذِلًا لَهُمُ الْأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ، جَامِعًا لِلْكُتُبِ تُقْرَأُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَفْهَمُ مَضْمُونَهَا ; وَلَمَّا مَاتَ مَلَكَ وَلَدُهُ خُسْرُوشَاهْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>