وَتَحَالَفُوا عَلَى التَّعَاوُنِ وَالتَّضَافُرِ، وَأَنْ لَا يَخُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَعَزَمُوا عَلَى لِقَائِهِ بِالرِّجَالِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ لِيُقَاتِلُوا قِتَالَ الْحَرِيمِ.
وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْمَلِكِ رُجَّارَ الْفِرِنْجِيِّ، صَاحِبِ صِقِلِّيَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الْعَرَبِ، وَهُمْ مُحْرِزُ بْنُ زِيَادٍ، وَجُبَارَةُ بْنُ كَامِلٍ، وَحَسَنُ بْنُ ثَعْلَبٍ، وَعِيسَى بْنُ حَسَنٍ وَغَيْرُهُمْ، يَحُثُّهُمْ عَلَى لِقَاءِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ خَمْسَةَ آلَافِ فَارِسٍ مِنَ الْفِرِنْجِ يُقَاتِلُونَ مَعَهُمْ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُرْسِلُوا إِلَيْهِ الرَّهَائِنَ ; فَشَكَرُوهُ وَقَالُوا: مَا بِنَا حَاجَةٌ إِلَى نَجْدَتِهِ، وَلَا نَسْتَعِينُ بِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَسَارُوا فِي عَدَدٍ لَا يُحْصَى، وَكَانَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ قَدْ رَحَلَ مِنْ بِجَايَةَ إِلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُهُمْ جَهَّزَ جَيْشًا مِنَ الْمُوَحِّدِينَ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْهَنْتَانِيَّ، وَسَعْدَ اللَّهِ بْنَ يَحْيَى، وَكَانَ الْعَرَبُ أَضْعَافَهُمْ، فَاسْتَجَرَّهُمُ الْمُوَحِّدُونَ، وَتَبِعَهُمُ الْعَرَبُ إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى أَرْضِ سَطِيفَ، بَيْنَ جِبَالٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ عَسْكَرُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، فَجَاءَهُ وَالْعَرَبُ عَلَى غَيْرِ أُهْبَةٍ، وَالتَقَى الْجَمْعَانِ، وَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ وَأَعْظَمَهُ، فَانْجَلَتِ الْمَعْرَكَةُ عَنِ انْهِزَامِ الْعَرَبِ وَنُصْرَةِ الْمُوَحِّدِينَ.
وَتَرَكَ الْعَرَبُ جَمِيعَ مَا لَهُمْ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ وَأَثَاثٍ وَنَعَمٍ، فَأَخَذَ الْمُوَحِّدُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَعَادَ الْجَيْشُ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِجَمِيعِهِ، فَقَسَّمَ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ عَلَى عَسْكَرِهِ، وَتَرَكَ النِّسَاءَ وَالْأَوْلَادَ تَحْتَ الِاحْتِيَاطِ، وَوَكَّلَ بِهِمْ مِنَ الْخَدَمِ الْخِصْيَانِ مَنْ يَخْدُمُهُمْ وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِمْ، وَأَمَرَ بِصِيَانَتِهِمْ، فَلَمَّا وَصَلُوا مَعَهُ إِلَى مَرَّاكُشَ أَنْزَلَهُمْ فِي الْمَسَاكِنِ الْفَسِيحَةِ، وَأَجْرَى لَهُمُ النَّفَقَاتِ الْوَاسِعَةَ، وَأَمَرَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ ابْنَهُ مُحَمَّدًا أَنْ يُكَاتِبَ أُمَرَاءَ الْعَرَبِ، وَيُعْلِمَهُمْ أَنَّ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ تَحْتَ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْضُرُوا لِيُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ أَبُوهُ ذَلِكَ جَمِيعَهُ، وَأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ لَهُمُ الْأَمَانَ وَالْكَرَامَةَ.
فَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُ مُحَمَّدٍ إِلَى الْعَرَبِ سَارَعُوا إِلَى الْمَسِيرِ إِلَى مَرَّاكُشَ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا أَعْطَاهُمْ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَعْطَاهُمْ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، فَاسْتَرَقَّ قُلُوبَهُمْ بِذَلِكَ، وَأَقَامُوا عِنْدَهُ، وَكَانَ بِهِمْ حَفِيًّا، وَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute