ذِكْرُ حَصْرِ تَكْرِيتَ وَوَقْعَةِ بِكَمْزَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ رَسُولًا إِلَى وَالِي تَكْرِيتَ، بِسَبَبِ مَنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمَأْسُورِينَ، وَهُمُ ابْنُ الْوَزِيرِ وَغَيْرُهُ، فَقَبَضُوا عَلَى الرَّسُولِ، فَسَيَّرَ الْخَلِيفَةُ عَسْكَرًا إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ أَهْلُ تَكْرِيتَ، فَقَاتَلُوا الْعَسْكَرَ وَمَنَعُوهُ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى الْبَلَدِ، فَسَارَ الْخَلِيفَةُ بِنَفْسِهِ مُسْتَهَلَّ صَفَرٍ فَنَزَلَ عَلَى الْبَلَدِ، فَهَرَبَ أَهْلُهُ، فَدَخَلَ الْعَسْكَرُ فَشَعَّثُوا وَنَهَبُوا بَعْضَهُ، وَنَصَبَ عَلَى الْقَلْعَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَنْجَنِيقًا، فَسَقَطَ مِنْ أَسْوَارِهَا بُرْجٌ وَبَقِيَ الْحَصْرُ كَذَلِكَ إِلَى الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِالْقِتَالِ وَالزَّحْفِ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَكَثُرَ الْقَتْلَى، وَلَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا غَرَضًا، فَرَحَلَ عَائِدًا إِلَى بَغْدَادَ، فَدَخَلَهَا آخِرَ الشَّهْرِ، ثُمَّ أَمَرَ الْوَزِيرَ عَوْنَ الدِّينِ بْنَ هُبَيْرَةَ بِالْعَوْدِ إِلَى مُحَاصَرَتِهَا، وَالِاسْتِعْدَادِ، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنَ الْآلَاتِ لِلْحِصَارِ، فَسَارَ إِلَيْهَا سَابِعَ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَنَازَلَهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهَا، فَوَصَلَ الْخَبَرُ بِأَنَّ مَسْعُودَ بِلَالٍ وَصَلَ إِلَى شَهْرَابَانَ وَمَعَهُ الْبَقْشُ كُونْ خَرْ وَتُرْشَكُ فِي عَسْكَرٍ كَثِيرٍ وَنَهَبُوا الْبِلَادَ، فَعَادَ الْوَزِيرُ إِلَى بَغْدَادَ.
وَكَانَ سَبَبَ وُصُولِ هَذَا الْعَسْكَرِ أَنَّهُمْ حَثُّوا الْمَلِكَ مُحَمَّدًا ابْنَ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ عَلَى قَصْدِ الْعِرَاقِ، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ، فَسَيَّرَ هَذَا الْعَسْكَرَ، وَانْضَافَ إِلَيْهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ التُّرْكُمَانِ، فَخَرَجَ الْخَلِيفَةُ إِلَيْهِمْ، فَأَرْسَلَ مَسْعُودُ بِلَالٍ إِلَى تَكْرِيتَ، وَأَخْرَجَ مِنْهَا الْمَلِكَ أَرْسَلَانَ ابْنَ السُّلْطَانِ طُغْرُلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ مَحْبُوسًا بِتَكْرِيتَ، وَقَالَ: هَذَا السُّلْطَانُ نُقَاتِلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِزَاءِ الْخَلِيفَةِ.
وَالْتَقَى الْعَسْكَرَانِ عِنْدَ بِكَمْزَا بِالْقُرْبِ مِنْ بَعْقُوبَا، وَدَامَ بَيْنَهُمُ الْمُنَاوَشَةُ وَالْمُحَارَبَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ إِنَّهُمُ الْتَقَوْا آخِرَ رَجَبٍ فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَتْ مَيْمَنَةُ عَسْكَرِ الْخَلِيفَةِ وَبَعْضُ الْقَلْبِ، حَتَّى بَلَغَتِ الْهَزِيمَةُ بَغْدَادَ، وَنُهِبَتْ خَزَائِنُهُ، وَقُتِلَ خَازِنُهُ، فَحَمَلَ الْخَلِيفَةُ بِنَفْسِهِ هُوَ وَوَلِيُّ عَهْدِهِ وَصَاحَ: يَا آلَ هَاشِمٍ! كَذَبَ الشَّيْطَانُ ; وَقَرَأَ: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: ٢٥] ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute