الْفِرِنْجَ عَنْ آخِرِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.
ثُمَّ اتَّبَعَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَطْرُوحٍ بِطَرَابُلُسَ وَبَعْدَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ رَشِيدٍ بِقَابِسَ، وَسَارَ عَسْكَرُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ إِلَى بُونَةَ فَمَلَكَهَا وَخَرَجَ جَمِيعُ إِفْرِيقِيَّةَ عَنْ حُكْمِ الْفِرِنْجِ مَا عَدَا الْمَهْدِيَّةَ وَسْوَسَةَ.
وَأَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ [أَبِي] الْحُسَيْنِ إِلَى زَوِيلَةَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَهْدِيَّةِ نَحْوُ مَيْدَانٍ، يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْوُثُوبِ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ فِيهَا مِنَ النَّصَارَى، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَقِدَمَ عَرَبُ الْبِلَادِ إِلَى زَوِيلَةَ، فَأَعَانُوا أَهْلَهَا عَلَى مَنْ بِالْمَهْدِيَّةِ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَقَطَعُوا الْمِيرَةَ عَنِ الْمَهْدِيَّةِ.
فَلَمَّا اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِغُلْيَالِمَ مَلِكِ صِقِلِّيَةَ أَحْضَرَ أَبَا الْحُسَيْنِ وَعَرَّفَهُ مَا عَمِلَ ابْنُهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَأْمُرَهُ بِالْعَوْدِ إِلَى طَاعَتِهِ، وَيُخَوِّفَهُ عَاقِبَةَ فِعْلِهِ، فَقَالَ: مَنْ قَدِمَ عَلَى هَذَا لَا يَرْجِعُ بِكِتَابٍ، فَأَرْسَلَ مَلِكُ صِقِلِّيَةَ إِلَيْهِ رَسُولًا يَتَهَدَّدُهُ، وَيَأْمُرُهُ بِتَرْكِ مَا ارْتَكَبَهُ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُ عُمَرُ مِنْ دُخُولِ الْبَلَدِ يَوْمَهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ خَرَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ جَمِيعُهُمْ وَمَعَهُمْ جِنَازَةٌ، وَالرَّسُولُ يُشَاهِدُهُمْ، فَدَفَنُوهَا وَعَادُوا، وَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى الرَّسُولِ يَقُولُ لَهُ: هَذَا أَبِي قَدْ دَفَنْتُهُ، وَقَدْ جَلَسْتُ لِلْعَزَاءِ بِهِ، فَاصْنَعُوا بِهِ مَا أَرَدْتُمْ.
فَعَادَ الرَّسُولُ إِلَى غُلْيَالِمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ عُمَرُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ، فَأَخَذَ أَبَاهُ وَصَلَبَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى مَاتَ.
وَأَمَّا أَهْلُ زَوِيلَةَ فَإِنَّهُمْ كَثُرَ جَمْعُهُمْ بِالْعَرَبِ وَأَهْلِ سَفَاقُسَ وَغَيْرِهِمْ، فَحَصَرُوا الْمَهْدِيَّةَ وَضَيَّقُوا عَلَيْهَا، وَكَانَتِ الْأَقْوَاتُ بِالْمَهْدِيَّةِ قَلِيلَةً، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ صَاحِبُ صِقِلِّيَةَ عَشْرِينَ شِينِيًّا فِيهَا الرِّجَالُ وَالسِّلَاحُ، فَدَخَلُوا الْبَلَدَ، وَأَرْسَلُوا إِلَى الْعَرَبِ وَبَذَلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute