لَهُمْ مَالًا لِيَنْهَزِمُوا، وَخَرَجُوا مِنَ الْغَدِ، فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَأَهْلُ زَوِيلَةَ، فَانْهَزَمَتِ الْعَرَبُ، وَبَقِيَ أَهْلُ زَوِيلَةَ وَأَهْلُ سَفَاقُسَ يُقَاتِلُونَ الْفِرِنْجَ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْفِرِنْجُ، فَانْهَزَمَ أَهْلُ سَفَاقُسَ وَرَكِبُوا فِي الْبَحْرِ فَنَجَوْا، وَبَقِيَ أَهْلُ زَوِيلَةَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمُ الْفِرِنْجُ فَانْهَزَمُوا إِلَى زَوِيلَةَ، فَوَجَدُوا أَبْوَابَهَا مُغْلَقَةً، فَقَاتَلُوا تَحْتَ السُّورِ، وَصَبَرُوا حَتَّى قُتِلَ أَكْثَرُهُمْ وَلَمْ يَنْجُ إِلَّا الْقَلِيلُ فَتَفَرَّقُوا، وَمَضَى بَعْضُهُمْ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ.
فَلَمَّا قُتِلُوا هَرَبَ مَنْ بِهَا مِنَ الْحُرَمِ وَالصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ فِي الْبَرِّ، وَلَمْ يُعَرِّجُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَدَخَلَ الْفِرِنْجُ زَوِيلَةَ فَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا فِيهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ، وَاسْتَقَرَّ الْفِرِنْجُ بِالْمَهْدِيَّةِ إِلَى أَنْ أَخَذَهَا مِنْهُمْ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ الْقَبْضِ عَلَى سُلَيْمَانَ شَاهْ وَحَبْسِهِ بِالْمَوْصِلِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَبَضَ زَيْنُ الدِّينِ عَلِيٌّ كُوجَكُ نَائِبُ قُطْبِ الدِّينِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِي بْنِ آقْسُنْقُرْ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، عَلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ شَاهِ ابْنِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ شَاهْ عِنْدَ عَمِّهِ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ قَدِيمًا، وَقَدْ جَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ، وَخَطَبَ لَهُ فِي مَنَابِر خُرَاسَانَ، فَلَمَّا جَرَى لِسَنْجَرَ مَعَ الْغُزِّ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَتَقَدَّمَ عَلَى عَسْكَرِ خُرَاسَانَ، وَضَعُفُوا عَنِ الْغُزِّ، مَضَى إِلَى خَوَارَزْمَ شَاهْ فَزَوَّجَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ أَقْسِيسَ، ثُمَّ بَلَغَهُ عَنْهُ مَا كَرِهَهُ فَأَبْعَدَهُ، فَجَاءَ إِلَى أَصْفَهَانَ فَمَنَعَهُ شِحْنَتُهَا مِنَ الدُّخُولِ، فَمَضَى إِلَى قَاشَانَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ شَاهْ ابْنُ أَخِيهِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَسْكَرًا أَبْعَدُوهُ عَنْهَا، فَسَارَ إِلَى خُوزِسْتَانَ، فَمَنَعَهُ مَلِكْشَاهْ عَنْهَا، فَقَصَدَ اللِّحْفَ وَنَزَلَ الْبَنْدَيْجِينِ، وَأَرْسَلَ رَسُولًا إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَفِي يُعْلِمُهُ بِوُصُولِهِ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا، إِلَى أَنِ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنْ يُرْسِلَ زَوْجَتَهُ تَكُونُ رَهِينَةً، فَأَرْسَلَهَا إِلَى بَغْدَادَ وَمَعَهَا كَثِيرٌ مِنَ الْجَوَارِي وَالْأَتْبَاعِ، وَقَالَ: قَدْ أَرْسَلْتُ هَؤُلَاءِ رَهَائِنَ، فَإِنْ أَذِنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي دُخُولَ بَغْدَادَ فَعَلْتُ وَإِلَّا رَجَعْتُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute