وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ مَعَهُ، وَسَارَ إِلَى قَلْعَةِ تِرْمِذَ، وَاسْتَظْهَرَ بِهَا عَلَى الْغُزِّ، وَكَانَ خَوَارَزْمُ شَاهْ أَتْسِزُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَنُوشِتِكِينَ، وَالْخَاقَانُ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ، يَقْصِدَانِ الْغُزَّ فَيُقَاتِلَانِهِمْ فِيمَنْ مَعَهُمَا، فَكَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ سِجَالًا، وَغَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْغُزِّ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْ خُرَاسَانَ، فَهُوَ يَأْكُلُ دَخْلَهَا، لَا رَأْسَ لَهُمْ يَجْمَعُهُمْ.
وَسَارَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ مِنْ تِرْمِذَ إِلَى جَيْحُونَ يُرِيدُ الْعُبُورَ إِلَى خُرَاسَانَ، فَاتَّفَقَ أَنَّ مُقَدَّمَ الْأَتْرَاكِ الْقَارَغْلِيَّةِ، اسْمُهُ عَلِيٌّ بِكْ تُوُفِّيَ، وَكَانَ أَشَدَّ شَيْءٍ [عَلَى] السُّلْطَانِ سَنْجَرَ وَعَلَى غَيْرِهِ، كَثِيرَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ وَإِثَارَةِ الْفِتَنِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَقْبَلَتِ الْقَارَغْلِيَّةُ إِلَى السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ مِنْ أَقَاصِي الْبِلَادِ وَأَدَانِيهَا، وَعَادَ إِلَى دَارِ مُلْكِهِ بِمَرْوَ فِي رَمَضَانَ ; فَكَانَتْ مُدَّةُ أَسْرِهِ مَعَ الْغُزِّ مِنْ سَادِسِ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ إِلَى رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.
ذِكْرُ الْبَيْعَةِ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِوِلَايَةِ عَهْدِ أَبِيهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَمَرَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بِالْبَيْعَةِ لِوَلَدِهِ مُحَمَّدٍ بِوِلَايَةِ عَهْدِهِ، وَكَانَ الشَّرْطُ وَالْقَاعِدَةُ بَيْنَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ عُمَرَ هِنْتَاتِيٍّ أَنْ يَلِيَ عُمَرُ الْأَمْرَ بَعْدَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ ; فَلَمَّا تَمَكَّنَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْمُلْكِ وَكَثُرَ أَوْلَادُهُ أَحَبَّ أَنْ يَنْقُلَ الْمُلْكَ إِلَيْهِمْ، فَأَحْضَرَ أُمَرَاءَ الْعَرَبِ مِنْ هِلَالٍ وَرُعْبَةَ وَعَبْدِيٍّ وَغَيْرِهِمْ إِلَيْهِ وَوَصَلَهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَقُولُ لَهُمْ لِيَطْلُبُوا مِنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَيَقُولُوا لَهُ: نُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ لَنَا وَلِيَ عَهْدٍ مِنْ وَلَدِكَ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ بَعْدَكَ ; فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِكْرَامًا لِعُمَرَ هِنْتَاتِيٍّ لِعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ فِي الْمُوَحِّدِينَ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الْأَمْرَ لِأَبِي حَفْصٍ عُمَرَ ; فَلَمَّا عَلِمَ عُمَرُ ذَلِكَ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، فَحَضَرَ عِنْدَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَأَجَابَ إِلَى خَلْعِ نَفْسِهِ، فَحِينَئِذٍ بُويِعَ لِمُحَمَّدٍ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ، وَكَتَبَ إِلَى جَمِيعِ بِلَادِهِ بِذَلِكَ، وَخُطِبَ لَهُ فِيهَا جَمِيعِهَا، فَأَخْرَجَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute