ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْأَمْوَالِ شَيْئًا كَثِيرًا.
ذِكْرُ اسْتِعْمَالِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ أَوْلَادَهُ عَلَى الْبِلَادِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَعْمَلَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ أَوْلَادَهُ عَلَى الْبِلَادِ، فَاسْتَعْمَلَ وَلَدَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ عَلَى بِجَايَةَ وَأَعْمَالِهَا ; وَاسْتَعْمَلَ ابْنَهُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيًّا عَلَى فَاسَ وَأَعْمَالِهَا ; وَاسْتَعْمَلَ ابْنَهُ أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ عَلَى مَدِينَةِ تِلْمِسَانَ وَأَعْمَالِهَا، وَوَلَّى ابْنَهُ أَبَا سَعِيدٍ سَبْتَةَ وَالْجَزِيرَةَ الْخَضْرَاءَ وَمَالِقَةَ ; وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ.
وَلَقَدْ سَلَكَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ طَرِيقًا عَجِيبًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْبِلَادِ شُيُوخَ الْمُوَحِّدِينَ الْمَشْهُورِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْمَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ تُومَرْتَ، وَكَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْزِلَهُمْ، فَأَخَذَ أَوْلَادَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ عِنْدَهُ يَشْتَغِلُونَ فِي الْعُلُومِ، فَلَمَّا مَهَرُوا فِيهَا وَصَارُوا يُقْتَدَى بِهِمْ قَالَ لِآبَائِهِمْ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا عِنْدِي أَسْتَعِينُ بِكُمْ عَلَى مَا أَنَا بِصَدَدِهِ، وَيَكُونُ أَوْلَادُكُمْ فِي الْأَعْمَالِ (لِأَنَّهُمْ عُلَمَاءُ فُقَهَاءُ) ; فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ وَهُمْ فَرِحُونَ مَسْرُورُونَ، (فَوَلَّى أَوْلَادَهُمْ) ثُمَّ وَضَعَ عَلَيْهِمْ بَعْضَهُمْ مِمَّنْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي أَرَى أَمْرًا عَظِيمًا قَدْ فَعَلْتُمُوهُ ; فَارَقْتُمْ فِيهِ الْحَزْمَ وَالْأَدَبَ. فَقَالُوا: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: أَوْلَادُكُمْ فِي الْأَعْمَالِ، وَأَوْلَادُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَحُسْنِ السِّيَاسَةِ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَنْظُرَ فِي هَذَا فَتَسْقُطَ مَنْزِلَتُكُمْ عِنْدَهُ، فَعَلِمُوا صِدْقَ الْقَائِلِ، فَحَضَرُوا عِنْدَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَقَالُوا: نُحِبُّ أَنْ تَسْتَعْمِلَ عَلَى الْبِلَادِ السَّادَةَ أَوْلَادَكَ. فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِسُؤَالِهِمْ.
ذِكْرُ حَصْرِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ بَغْدَادَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، حَصَرَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ بَغْدَادَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ السُّلْطَانَ مُحَمَّدَ بْنَ مَحْمُودٍ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَطْلُبُ أَنْ يُخْطَبَ لَهُ بِبَغْدَادَ وَالْعِرَاقِ، فَامْتَنَعَ الْخَلِيفَةُ مِنْ إِجَابَتِهِ إِلَى ذَلِكَ، فَسَارَ مِنْ هَمَذَانَ فِي عَسَاكِرَ كَثِيرَةٍ نَحْوَ الْعِرَاقِ، وَوَعَدَهُ أَتَابَكُ قُطْبُ الدِّينِ، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، وَنَائِبُهُ زَيْنُ الدِّينِ عَلِيٌّ بِإِرْسَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute