للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ أَخْذِ حُجَّاجِ خُرَاسَانَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَارَ حُجَّاجُ خُرَاسَانَ، فَلَمَّا رَحَلُوا عَنْ بِسِطَامَ أَغَارَ عَلَيْهِمْ جَمْعٌ مِنَ الْجُنْدِ الْخُرَاسَانِيَّةِ قَدْ قَصَدُوا طَبَرِسْتَانَ، فَأَخَذُوا مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ، وَقَتَلُوا نَفَرًا مِنْهُمْ، وَسَلِمَ الْبَاقُونَ وَسَارُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ.

فَبَيْنَمَا هُمْ سَائِرُونَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، فَقَاتَلَهُمُ الْحُجَّاجُ قِتَالًا عَظِيمًا، وَصَبَرُوا صَبْرًا عَظِيمًا، فَقُتِلَ أَمِيرُهُمْ، فَانْخَذَلُوا، وَأَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَاسْتَسْلَمُوا وَطَلَبُوا الْأَمَانَ، وَأَلْقَوْا أَسْلِحَتَهُمْ مُسْتَأْمِنِينَ، فَأَخَذَهُمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ وَقَتَلُوهُمْ، وَلَمْ يُبْقُوا مِنْهُمْ إِلَّا شِرْذِمَةً يَسِيرَةً ; وَقُتِلَ فِيهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ وَالصُّلَحَاءِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَكَانَتْ مُصِيبَةً عَظِيمَةً عَمَّتْ بِلَادَ الْإِسْلَامِ، وَخَصَّتْ خُرَاسَانَ، وَلَمْ يَبْقَ بَلَدٌ إِلَّا وَفِيهِ الْمَأْتَمُ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ طَافَ شَيْخٌ فِي الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى يُنَادِي: يَا مُسْلِمُونَ، يَا حُجَّاجُ، ذَهَبَ الْمَلَاحِدَةُ، وَأَنَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، فَمَنْ أَرَادَ الْمَاءَ سَقَيْتُهُ ; فَمَنْ كَلَّمَهُ قَتَلَهُ وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ، فَهَلَكُوا جَمِيعُهُمْ إِلَّا مَنْ سَلِمَ وَوَلَّى هَارِبًا ; وَقَلِيلٌ مَا هُمْ.

ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُؤَيَّدِ وَالْأَمِيرِ إِيثَاقَ

قَدْ ذَكَرْنَا تَقَدُّمَ الْأَمِيرِ الْمُؤَيَّدِ أَيْ أَبَهْ مَمْلُوكِ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَتَقَدُّمَهُ عَلَى عَسَاكِرِ خُرَاسَانَ، فَحَسَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ مِنْهُمُ الْأَمِيرُ إِيثَاقُ، وَهُوَ مِنَ الْأُمَرَاءِ السَنْجَرِيَّةِ، وَانْحَرَفَ عَنْهُ، وَكَانَ تَارَةً يَقْصِدُ خَوَارَزْمَ شَاهْ، وَتَارَةً شَاهْ مَازَنْدَرَانَ، وَتَارَةً يُظْهِرُ الْمُوَافَقَةَ لِلْمُؤَيَّدِ، وَيُبْطِنُ الْمُخَالَفَةَ.

فَلَمَّا كَانَ الْآنَ فَارَقَ مَازَنْدَرَانَ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافِ فَارِسٍ، قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ كُلُّ مَنْ يُرِيدُ الْغَارَةَ عَلَى الْبِلَادِ، وَكُلُّ مُنْحَرِفٍ عَنِ الْمُؤَيَّدِ، وَقَصَدَ خُرَاسَانَ وَأَقَامَ بِنَوَاحِي نَسَا وَأَبِيوَرْدَ، لَا يُظْهِرُ الْمُخَالَفَةَ لِلْمُؤَيَّدِ بَلْ يُرَاسِلُهُ بِالْمُوَافَقَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ لَهُ، وَيُبْطِنُ ضِدَّهَا.

وَانْتَقَلَ الْمُؤَيَّدُ مِنَ الْمُكَاتَبَةِ إِلَى الْمُكَافَحَةِ، وَسَارَ إِلَيْهِ جَرِيدَةً، فَأَغَارَ عَلَيْهِ وَأَوْقَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>