للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ، فَتَفَرَّقَ عَنْهُ جُمُوعُهُ وَنَجَا بِحُشَاشَةِ نَفْسِهِ، وَغَنِمَ الْمُؤَيَّدُ وَعَسْكَرُهُ كُلَّ مَا لِإِيثَاقَ، وَمَضَى مُنْهَزِمًا إِلَى مَازَنْدَرَانَ ; وَكَانَ مَلِكُهَا رُسْتُمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخٍ لَهُ اسْمُهُ عَلِيٌّ تَنَازُعٌ عَلَى الْمُلْكِ، وَقَدْ قَوِيَ رُسْتُمُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِيثَاقُ إِلَى مَازَنْدَرَانَ قَتَلَ عَلِيًّا وَحَمَلَ رَأْسَهُ إِلَى أَخِيهِ رُسْتُمَ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى رُسْتُمَ، وَاشْتَدَّ وَاسْتَشَاطَ غَضَبًا، وَقَالَ: آكُلُ لَحْمِي وَلَا أُطْعِمُهُ غَيْرِي.

وَلَمْ يَزَلْ إِيثَاقُ يَتَرَدَّدُ فِي خُرَاسَانَ بِالنَّهْبِ وَالْغَارَةِ، لَا سِيَّمَا مَدِينَةَ أَسْفَرَايِينَ فَإِنَّهُ أَكْثَرَ مِنْ قَصْدِهَا حَتَّى خَرِبَتْ، فَرَاسَلَهُ السُّلْطَانُ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْمُؤَيَّدُ يَدْعُوَانِهِ إِلَى الْمُوَافَقَةِ، فَامْتَنَعَ، فَسَارَا إِلَيْهِ فِي الْعَسَاكِرِ، فَلَمَّا قَارَبَاهُ أَتَاهُمَا كَثِيرٌ مِنْ عَسْكَرِهِ، فَمَضَى مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمَا إِلَى طَبَرِسْتَانَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] فَتَبِعَاهُ فِي عَسَاكِرِهِمَا، فَأَرْسَلَ شَاهْ مَازَنْدَرَانَ يَطْلُبُ الصُّلْحَ، فَأَجَابَاهُ وَاصْطَلَحُوا، وَحَمَلَ شَاهْ مَازَنْدَرَانَ أَمْوَالًا جَلِيلَةً وَهَدَايَا نَفِيسَةً، وَسَيَّرَ إِيثَاقُ ابْنَهُ رَهِينَةً فَعَادَا عَنْهُ.

ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُؤَيَّدِ وَسُنْقُرَ الْعَزِيزِيِّ

كَانَ سُنْقُرُ الْعَزِيزِيُّ مِنْ أُمَرَاءِ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَمِمَّنْ يُنَاوِئُ أَيْضًا الْمُؤَيَّدَ أَيْ أَبَهْ، فَلَمَّا اشْتَغَلَ الْمُؤَيَّدُ بِحَرْبِ إِيثَاقَ سَارَ سُنْقُرُ مِنْ عَسْكَرِ السُّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَى هَرَاةَ وَدَخَلَهَا وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَتْرَاكِ وَتَحَصَّنَ بِهَا، فَأُشِيرَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَعْتَضِدَ بِالْمَلِكِ الْحُسَيْنِ مَلِكِ الْغُورِيَّةِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَاسْتَبَدَّ بِنَفْسِهِ مُنْفِرَدًا لِأَنَّهُ رَأَى اخْتِلَافَ الْأُمَرَاءِ عَلَى السُّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَطَمِعَ وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْقُوَّةِ، فَقَصَدَهُ الْمُؤَيَّدُ إِلَى هَرَاةَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا قَاتَلَ مَنْ بِهَا شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، ثُمَّ إِنَّ الْأَتْرَاكَ مَالُوا إِلَى الْمُؤَيَّدِ وَأَطَاعُوهُ، وَانْقَطَعَ خَبَرُ سُنْقُرَ الْعَزِيزِيِّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَا كَانَ مِنْهُ، فَقِيلَ: إِنَّهُ سَقَطَ مِنْ فَرَسِهِ فَمَاتَ، وَقِيلَ: بَلِ اغْتَالَهُ الْأَتْرَاكُ فَقَتَلُوهُ.

وَتَقَدَّمَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ إِلَى وِلَايَةِ هَرَاةَ فِي عَسَاكِرِهِ وَجُنُودِهِ، وَالْتَحَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ عَسْكَرِ سُنْقُرَ بِالْأَمِيرِ إِيثَاقَ، وَأَغَارُوا عَلَى طُوسَ وَقُرَاهَا، فَبَطَلَتِ الزُّرُوعُ وَالْحَرْثُ، وَاسْتَوْلَى الْخَرَابُ عَلَى الْبِلَادِ، وَعَمَّتِ الْفِتَنُ أَطْرَافَ خُرَاسَانَ، وَأَصَابَتْهُمُ الْعَيْنُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَيَّامَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ فِي أَرْغَدِ عَيْشٍ وَآمَنِهِ، وَهَذَا دَأْبُ الدُّنْيَا لَا يَصْفُو نَعِيمُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>