بِذَلِكَ وَهُوَ يَشْرَبُ، فَلَمْ يَحْفُلْ بِذَلِكَ، وَرَكِبَ إِلَيْهِمْ فِي نَحْوِ ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ، وَكَانَ مُعْجَبًا بِنَفْسِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَطَ بِهِمْ، فَأَحْدَقُوا بِهِ، وَقَاتَلَ أَشَدَّ قِتَالٍ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَأُخِذَ هُوَ أَسِيرًا، فَتَسَلَّمُهُ إِنْسَانٌ تُرْكُمَانِيٌّ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَمٌ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ ابْنًا لِلتُّرْكُمَانِيِّ، فَقَتَلَهُ بِابْنِهِ وَأَرْسَلَ بِرَأْسِهِ إِلَى مُحَمَّدِ شَاهْ.
وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ عَسْكَرًا لِيُقَاتِلَ شَمْلَةَ وَمَنْ مَعَهُ، فَانْزَاحُوا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَلَحِقُوا بِالْمَلِكِ مَلِكْشَاهْ بِخُوزِسْتَانَ فَهَلَكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِالْبَرْدِ.
ذِكْرُ مُعَاوَدَةِ الْغُزِّ الْفِتْنَةَ بِخُرَاسَانَ
كَانَ الْأَتْرَاكُ الْغُزِّيَّةُ قَدْ أَقَامُوا بِبَلْخَ وَاسْتَوْطَنُوهَا، وَتَرَكُوا النَّهْبَ وَالْقَتْلَ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ، وَاتَّفَقَتِ الْكَلِمَةُ بِهَا عَلَى طَاعَةِ السُّلْطَانِ خَاقَانَ مَحْمُودِ بْنِ أَرْسَلَانَ، وَكَانَ الْمُتَوَلِّيَ لِأُمُورِ دَوْلَتِهِ الْمُؤَيَّدُ أَيْ أَبَهْ، وَعَنْ رَأْيِهِ يُصْدِرُ مَحْمُودٌ.
فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةَ فِي شَعْبَانَ سَارَ الْغُزُّ مِنْ بَلْخَ إِلَى مَرْوَ، وَكَانَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ بِسَرْخَسَ فِي الْعَسَاكِرِ، فَسَارَ الْمُؤَيَّدُ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَيْهِمْ، فَأَوْقَعَ بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ، وَظَفِرَ بِهِمْ، وَلَمْ يَزَلْ يَتْبَعُهُمْ إِلَى أَنْ دَخَلُوا إِلَى مَرْوَ أَوَائِلَ رَمَضَانَ، وَغَنِمَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَقَتَلَ كَثِيرًا وَعَادَ إِلَى سَرْخَسَ، فَاتَّفَقَ هُوَ وَالسُّلْطَانُ مَحْمُودٌ عَلَى قَصْدِ الْغُزِّ وَقِتَالِهِمْ، فَجَمَعَا الْعَسَاكِرَ وَحَشَدَا، وَسَارَا إِلَى الْغُزِّ، فَالْتَقَوْا سَادِسَ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ طَالَ مَدَاهَا، فَبَقُوا يَقْتَتِلُونَ [مِنْ] يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ تَاسِعِ شَوَّالٍ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ، تَوَاقَعُوا عِدَّةَ وَقْعَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ رَاحَةٌ، وَلَا نُزُولٌ، إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ; انْهَزَمَ الْغُزُّ فِيهَا ثَلَاثَ دَفْعَاتٍ، وَعَادُوا إِلَى الْحَرْبِ.
فَلَمَّا أَسْفَرَ الصُّبْحُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ انْكَشَفَتِ الْحَرْبُ عَنْ هَزِيمَةِ عَسَاكِرِ خُرَاسَانَ وَتَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ، وَظَفِرَ الْغُزُّ بِهِمْ، وَقَتَلُوا فَأَكْثَرُوا فِيهِمْ، وَأَمَّا الْجَرْحَى وَالْأَسْرَى فَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute