للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَادَ الْمُؤَيَّدُ وَمَنْ سَلِمَ مَعَهُ إِلَى طُوسَ، فَاسْتَوْلَى الْغُزُّ عَلَى مَرْوَ، وَأَحْسَنُوا السِّيرَةَ، وَأَكْرَمُوا الْعُلَمَاءَ وَالْأَئِمَّةَ مِثْلَ تَاجِ الدِّينِ أَبِي سَعِيدٍ السَّمْعَانِيِّ، وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ الْبَلْخِيِّ وَغَيْرِهِمَا ; وَأَغَارُوا عَلَى سَرْخَسَ، وَخُرِّبَتِ الْقُرَى، وَجَلَا أَهْلُهَا، وَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ سَرْخَسَ نَحْوُ عَشَرَةِ آلَافِ قَتِيلٍ، وَنَهَبُوا طُوسَ أَيْضًا وَقَتَلُوا أَهْلَهَا إِلَّا الْقَلِيلَ وَعَادُوا إِلَى مَرْوَ.

وَأَمَّا السُّلْطَانُ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَانُ وَالْعَسَاكِرُ الَّتِي مَعَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْمُقَامِ بِخُرَاسَانَ مِنَ الْغُزِّ، فَسَارُوا إِلَى جُرْجَانَ يَنْتَظِرُونَ مَا يَكُونُ مِنَ الْغُزِّ ; فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ أَرْسَلَ الْغُزُّ إِلَى السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُمْ لِيُمَلِّكُوهُ أَمْرَهُمْ، فَلَمْ يَثِقْ بِهِمْ وَخَافَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يُرْسِلَ ابْنَهُ جَلَالَ الدِّينِ مُحَمَّدًا إِلَيْهِمْ لِيُمَلِّكُوهُ أَمْرَهُمْ، وَيَصْدُرُوا عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فِي قَلِيلِ الْأُمُورِ وَكَثِيرِهَا، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ وَاحْتَاطَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ لِوَلَدِهِ بِالْعَهْدِ وَالْمَوَاثِيقِ، وَتَقْرِيرِ الْقَوَاعِدِ، ثُمَّ سَيَّرَهُ مِنْ جُرْجَانَ إِلَى خُرَاسَانَ، فَلَمَّا سَمِعَ الْأُمَرَاءُ الْغُزِّيَّةُ بِقُدُومِهِ سَارُوا مِنْ مَرْوَ إِلَى طَرِيقِهِ، فَالْتَقُوهُ بِنَيْسَابُورَ، وَأَكْرَمُوهُ وَعَظَّمُوهُ، وَدَخَلَ نَيْسَابُورَ، وَاتَّصَلَتْ بِهِ الْعَسَاكِرُ الْغُزِّيَّةُ، وَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.

ثُمَّ إِنَّ السُّلْطَانَ مُحْمُودًا سَارَ مِنْ جُرْجَانَ إِلَى خُرَاسَانَ فِي الْجُيُوشِ الَّتِي مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ السَنْجَرِيَّةِ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُ الْمُؤَيَّدُ أَيْ أَبَهْ، فَوَصَلَ إِلَى حُدُودِ نَسَا وَأَبِيوَرْدَ، وَأَقْطَعَ نَسَا لِأَمِيرٍ اسْمُهُ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ النَّسَوِيُّ، فَقَامَ فِي حِفْظِهَا الْمَقَامَ الْمَرْضِيَّ، وَمَنَعَ عَنْهَا أَيْدِي الْمُفْسِدِينَ، وَأَقَامَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ بِظَاهِرِ نَسَا حَتَّى جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنَ السَّنَةِ.

وَلَمَّا كَانَ الْغُزُّ بِنَيْسَابُورَ هَذِهِ السَّنَةَ أَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِ طُوسَ يَدْعُونَهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْمُوَافَقَةِ، فَامْتَنَعَ أَهْلُ رَايِكَانَ مِنْ إِجَابَتِهِمْ إِلَى ذَلِكَ، وَاغْتَرُّوا بِسُورِ بَلَدِهِمْ وَبِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْعُدَّةِ الْوَافِرَةِ وَالذَّخَائِرِ الْكَثِيرَةِ، فَقَصَدَهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْغُزِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>