وَهُوَ الَّذِي حَاصَرَ بَغْدَادَ طَالِبًا السَّلْطَنَةَ وَعَادَ عَنْهَا، فَأَصَابَهُ سُلٌّ، وَطَالَ بِهِ، فَمَاتَ بِبَابِ هَمَذَانَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.
فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَمَرَ الْعَسَاكِرَ فَرَكِبَتْ، وَأَحْضَرَ أَمْوَالَهُ وَجَوَاهِرَهُ وَحَظَايَاهُ وَمَمَالِيكَهُ، فَنَظَرَ إِلَى الْجَمِيعِ مِنْ طَيَّارَةٍ تُشْرِفُ عَلَى مَا تَحْتَهَا، فَلَمَّا رَآهُ بَكَى وَقَالَ: هَذِهِ الْعَسَاكِرُ وَالْأَمْوَالُ وَالْمَمَالِيكُ وَالسَّرَارِيُّ مَا أَرَى يَدْفَعُونَ عَنِّي مِقْدَارَ ذَرَّةٍ، وَلَا يَزِيدُونَ فِي أَجَلِي لَحْظَةً، وَأَمَرَ بِالْجَمِيعِ فَرُفِعَ بَعْدَ أَنْ فَرَّقَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا.
وَكَانَ حَلِيمًا كَرِيمًا عَاقِلًا كَثِيرَ التَّأَنِّي فِي أُمُورِهِ، وَكَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ، فَسَلَّمَهُ إِلَى آقَنَسْقَرَ الْأَحْمَدِيلِيِّ، وَقَالَ لَهُ: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ الْعَسَاكِرَ لَا تُطِيعُ مِثْلَ هَذَا الطِّفْلِ، وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ، فَارْحَلْ بِهِ إِلَى بِلَادِكَ. فَرَحَلَ إِلَى مَرَاغَةَ، فَلَمَّا مَاتَ اخْتَلَفَتِ الْأُمَرَاءُ، فَطَائِفَةٌ طَلَبُوا مَلِكْشَاهْ أَخَاهُ، وَطَائِفَةٌ طَلَبُوا سُلَيْمَانَ شَاهْ، وَهُمُ الْأَكْثَرُ، وَطَائِفَةٌ طَلَبُوا أَرْسِلَان الَّذِي مَعَ إِيلْدِكْزَ، فَأَمَّا مَلِكْشَاهْ فَإِنَّهُ سَارَ مِنْ خُوزَسْتَانَ، وَمَعَهُ دَكْلَا صَاحِبُ فَارِسَ، وَشُمْلَةُ التُّرْكُمَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، فَوَصَلَ إِلَى أَصْفَهَانَ، فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ ابْنُ الْخُجَنْدِيِّ، وَجَمَعَ لَهُ مَالًا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْعَسَاكِرِ بِهَمَذَانَ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ لِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ بَيْنَهُمْ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانَ يُرِيدُ سُلَيْمَانَ شَاهْ.
ذِكْرُ أَخْذِ حَرَّانَ مِنْ نُورِ الدِّينِ وَعَوْدِهَا إِلَيْهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَرِضَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِي، صَاحِبُ حَلَبَ، مَرَضًا شَدِيدًا وَأُرْجِفَ بِمَوْتِهِ، وَكَانَ بِقَلْعَةِ حَلَبَ، وَمَعَهُ أَخُوهُ الْأَصْغَرُ أَمِيرُ أَمِيرَانَ، فَجَمَعَ النَّاسَ، وَحَصَرَ الْقَلْعَةَ. وَكَانَ شِيرِكُوهْ، وَهُوَ أَكْبَرُ أُمَرَائِهِ، بِحِمْصَ، فَبَلَغَهُ خَبَرُ مَوْتِهِ، فَسَارَ إِلَى دِمَشْقَ لِيَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا وَبِهَا أَخُوهُ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَيُّوبُ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَهْلَكْتَنَا! وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ تَعُودَ إِلَى حَلَبَ، فَإِنْ كَانَ نُورُ الدِّينِ حَيًّا خَدَمْتَهُ فِي (هَذَا) الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّا فِي دِمَشْقَ نَفْعَلُ مَا نُرِيدُ مِنْ مُلْكِهَا، فَعَادَ إِلَى حَلَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute