ذِكْرُ أَحْوَالِ الْمُؤَيَّدِ بِخُرَاسَانَ هَذِهِ السَّنَةَ
قَدْ ذَكَرْنَا ثَلَاثَ وَخَمْسِينَ [وَخَمْسَمِائَةٍ] عَوْدَ الْمُؤَيَّدِ " أَيْ أَبَهْ " إِلَى نَيْسَابُورَ، وَتَمَكُّنَهُ مِنْهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَرَأَى الْمُؤَيَّدُ تَحَكُّمَهُ فِي نَيْسَابُورَ وَتَمَكُّنَهُ فِي دَوْلَتِهِ، وَكَثْرَةَ جُنْدِهِ وَعَسْكَرِهِ، أَحْسَنَ السِّيرَةَ فِي الرَّعِيَّةِ، لَا سِيَّمَا أَهْلِ نَيْسَابُورَ، فَإِنَّهُ جَبَرَهُمْ وَبَالَغَ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَشَرَعَ فِي إِصْلَاحِ أَعْمَالِهَا وَوِلَايَاتِهَا، فَسَيَّرَ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِهِ إِلَى نَاحِيَةِ أَسْقِيلَ، وَكَانَ بِهَا جَمْعٌ قَدْ تَمَرَّدُوا وَأَكْثَرُوا الْعَيْثَ وَالْفَسَادَ فِي الْبِلَادِ، وَطَالَ تَمَادِيهِمْ فِي طُغْيَانِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الْمُؤَيَّدُ يَدْعُوهُمْ إِلَى تَرْكِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ وَمُعَاوَدَةِ الطَّاعَةِ وَالصَّلَاحِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، وَلَمْ يَرْجِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ سَرِيَّةً كَثِيرَةً، فَقَاتَلُوهُمْ، وَأَذَاقُوهُمْ عَاقِبَةَ مَا صَنَعُوا، فَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَخَرَّبُوا حِصْنَهُمْ.
وَسَارَ الْمُؤَيَّدُ مِنْ نَيْسَابُورَ إِلَى بَيْهَقَ، فَوَصَلَهَا رَابِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنَ السَّنَةِ، وَقَصَدَ مِنْهَا حِصْنَ خُسْرُوجَرْدَ، وَهُوَ حِصْنٌ مَنِيعٌ بَنَاهَ كَيْخَسْرُو الْمَلِكُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ قَتْلِ أَفْرَاسْيَابَ، وَفِيهِ رِجَالٌ شُجْعَانٌ، فَامْتَنَعُوا عَلَى الْمُؤَيَّدِ، فَحَصَرَهُمْ وَنَصَبَ عَلَيْهِمُ الْمَجَانِيقَ، وَجَدَّ فِي الْقِتَالِ، فَصَبَرَ أَهْلُ الْحِصْنِ حَتَّى نَفَذَ صَبْرُهُمْ، ثُمَّ مَلَكَ الْمُؤَيَّدُ الْقَلْعَةَ وَأَخْرَجَ كُلَّ مَنْ فِيهَا [وَرَتَّبَ فِيهَا] مَنْ يَحْفَظُهَا، وَعَادَ مِنْهَا إِلَى نَيْسَابُورَ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ.
ثُمَّ سَارَ إِلَى هَرَاةَ، فَلَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا غَرَضًا، فَعَادَ إِلَى نَيْسَابُورَ، وَقَصَدَ مَدِينَةَ كُنْدُرَ، وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ طُرَيْثِيثَ، وَقَدْ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا رَجُلٌ اسْمُهُ أَحْمَدُ كَانَ خُرْبَنْدَةَ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الرِّنُودِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْمُفْسِدِينَ، فَخَرَّبُوا كَثِيرًا مِنَ الْبِلَادِ، وَقَتَلُوا كَثِيرًا مِنَ الْخَلْقِ، وَغَنِمُوا مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا يُحْصَى.
وَعَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ بِهِمْ عَلَى خُرَاسَانَ، وَزَادَ الْبَلَاءُ، فَقَصَدَهُمُ الْمُؤَيَّدُ، فَتَحَصَّنُوا بِالْحِصْنِ الَّذِي لَهُمْ، فَقُوتِلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، وَنَصَبَ عَلَيْهِمُ الْعَرَّادَاتِ وَالْمَنْجَنِيقَاتِ، فَأَذْعَنَ هَذَا الْخُرْبَنْدَةُ أَحْمَدُ إِلَى طَاعَةِ الْمُؤَيَّدِ وَالِانْخِرَاطِ فِي سِلْكِ أَصْحَابِهِ وَأَشْيَاعِهِ، فَقَبِلَهُ أَحْسَنَ قَبُولٍ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute