مَلِكْشَاهْ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ تَهَوُّرٌ وَخُرَقٌ، وَبَلَغَ بِهِ شُرْبُ الْخَمْرِ حَتَّى إِنَّهُ شَرِبَهَا فِي رَمَضَانَ نَهَارًا، وَكَانَ يَجْمَعُ الْمَسَاخِرَ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْأُمَرَاءِ، فَأَهْمَلَ الْعَسْكَرُ أَمْرَهُ، وَصَارُوا لَا يَحْضُرُونَ بَابَهُ، وَكَانَ قَدْ رَدَّ جَمِيعَ الْأُمُورِ إِلَى شَرَفِ الدِّينِ كُرْدَبَازُو الْخَادِمِ، وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ الْخَدَمِ السَّلْجُوقِيَّةِ يَرْجِعُ إِلَى دِينٍ وَعَقْلٍ وَحُسْنِ تَدْبِيرٍ، فَكَانَ الْأُمَرَاءُ يَشْكُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ يُسَكِّنُهُمْ.
فَاتُّفِقَ أَنَّهُ شَرِبَ يَوْمًا بِظَاهِرِ هَمَذَانَ فِي الْكُشْكِ فَحَضَرَ عِنْدَهُ كُرْدَبَازُو، فَلَامَهُ عَلَى فِعْلِهِ، فَأَمَرَ سُلَيْمَانُ شَاهْ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْمَسَاخِرَةِ فَعَبَثُوا بِكُرْدَبَازُو، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ كَشَفَ لَهُ سَوْءَتَهُ، فَخَرَجَ مُغْضَبًا، فَلَمَّا صَحَا سُلَيْمَانُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَعْتَذِرُ، فَقَبِلَ عُذْرَهُ، إِلَّا أَنَّهُ تَجَنَّبَ الْحُضُورَ عِنْدَهُ، فَكَتَبَ سُلَيْمَانُ إِلَى إِينَانْجَ صَاحِبِ الرَّيِّ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُنْجِدَهُ عَلَى كُرْدَبَازُو، فَوَصَلَ الرَّسُولُ وَإِينَانْجُ مَرِيضٌ، فَأَعَادَ الْجَوَابَ يَقُولُ: إِذَا أَفَقْتُ مِنْ مَرَضِي حَضَرْتَ عِنْدَكَ بِعِسْكَرِي، فَبَلَغَ كُرْدَبَازُو، فَازْدَادَ اسْتِيحَاشًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ يَوْمًا يَطْلُبُهُ، فَقَالَ: إِذَا جَاءَ إِينَانْجُ حَضَرْتُ، وَأَحْضَرَ الْأُمَرَاءَ وَاسْتَحْلَفَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ، وَكَانُوا كَارِهِينَ لِسُلَيْمَانَ، فَحَلَفُوا لَهُ، فَأَوَّلُ مَا عَمِلَ أَنْ قَتَلَ الْمَسَاخِرَةَ الَّذِينَ لِسُلَيْمَانَ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ صِيَانَةً لِمُلْكِكَ، ثُمَّ اصْطَلَحَا، وَعَمِلَ كُرْدَبَازُو دَعْوَةً عَظِيمَةً حَضَرَهَا السُّلْطَانُ وَالْأُمَرَاءُ، فَلَمَّا صَارَ السُّلْطَانُ سُلَيْمَانُ شَاهْ فِي دَارِهِ قَبَضَ عَلَيْهِ كُرْدَبَازُو وَعَلَى وَزِيرِهِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَحْمُودِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَامِدِيِّ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ، فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَقَتَلَ وَزِيرَهُ وَخَوَاصَّهُ، وَحَبَسَ سُلَيْمَانَ شَاهْ فِي قَلْعَةٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَنْ خَنَقَهُ، وَقِيلَ بَلْ حَبَسَهُ فِي دَارِ مَجْدِ الدِّينِ الْعَلَوِيِّ رَئِيسِ هَمَذَانَ، وَفِيهَا قُتِلَ، وَقِيلَ بَلْ سُقِيَ سُمًّا فَمَاتَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَرْسَلَ إِلَى إِيلْدِكْزَ، صَاحِبِ أَرَّانَ وَأَكْثَرِ بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ، يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ لِيَخْطُبَ لِلْمَلِكِ أَرْسِلَان شَاهْ الَّذِي مَعَهُ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى إِينَانْجَ صَاحِبِ الرَّيِّ، فَسَارَ يَنْهَبُ الْبِلَادَ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى هَمَذَانَ، فَتَحَصَّنَ كُرْدَبَازُو، فَطَلَبَ مِنْهُ إِينَانْجُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَصَافًّا، فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute