بَنِي تَمِيمٍ بَابُ الْمُشَقَّرِ، وَقُتِلَتِ الْمُقَاتِلَةُ وَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ وَذَرَارِيهِمْ فِي مَسَاكِنِهِمْ لَا مَانِعَ لَهَا. فَاجْتَمَعَتْ بَنُو الْحَارِثِ فِي مَذْحِجٍ، وَأَحْلَافِهَا مِنْ نَهْدٍ وَجَرْمِ بْنِ رَبَّانَ، فَاجْتَمَعُوا فِي عَسْكَرٍ عَظِيمٍ بَلَغُوا ثَمَانِيَةَ آلَافٍ، وَلَا يُعْلَمُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ جَيْشٌ أَكْثَرُ مِنْهُ وَمِنْ جَيْشِ كِسْرَى بِذِي قَارٍ وَمِنْ يَوْمِ جَبَلَةَ، وَسَارُوا يُرِيدُونَ بَنِي تَمِيمٍ، فَحَذَّرَهُمْ كَاهِنٌ كَانَ مَعَ بَنِي الْحَارِثِ وَاسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ الْمُغَفَّلِ وَقَالَ: إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ أَعْيَانًا، وَتَغْزُونَ أَحْيَانًا، سَعْدًا وَرَيَّانًا، وَتَرِدُونَ مِيَاهَهَا جِيَابًا، فَتَلْقُونَ عَلَيْهَا ضِرَابًا، وَتَكُونُ غَنِيمَتُكُمْ تُرَابًا، فَأَطِيعُوا أَمْرِي وَلَا تَغْزُوا تَمِيمًا. فَعَصَوْهُ وَسَارُوا إِلَى عُرْوَةَ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ تَمِيمًا. فَاجْتَمَعَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ إِلَى أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ مِائَةٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا جِيدَةَ حَقِّقْ هَذَا الْأَمْرَ فَإِنَّا قَدْ رَضِينَاكَ رَئِيسًا. فَقَالَ لَهُمْ:
وَإِنَّ امْرَأً قَدْ عَاشَ تِسْعِينَ حَجَّةً ... إِلَى مِائَةٍ لَمْ يَسْأَمِ الْعَيْشَ جَاهِلٌ
مَضَتْ مِائَتَانِ غَيْرَ عَشْرٍ وَفَاؤُهَا ... وَذَلِكَ مِنْ عَدِّ اللَّيَالِي قَلَائِلُ
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: لَا حَاجَةَ لِي فِي الرِّيَاسَةِ وَلَكِنِّي أُشِيرُ عَلَيْكُمْ لِيَنْزِلْ حَنْظَلَةُ بْنُ مَالِكٍ بِالدَّهْنَاءِ، وَلْيَنْزِلْ سَعْدُ بْنُ زَيْدِ مَنَاةَ وَالرِّبَابُ، وَهُمْ ضَبَّةُ بْنُ أُدٍّ وَثَوْرٌ وَعُكْلٌ وَعَدِيٌّ بَنُو عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ أُدٍّ: الْكُلَابَ، فَأَيَّ الطَّرِيقَيْنِ أَخَذَ الْقَوْمُ كَفَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: احْفَظُوا وَصِيَّتِي لَا تُحْضِرُوا النِّسَاءَ الصُّفُوفَ فَإِنَّ نَجَاةَ اللَّئِيمِ فِي نَفْسِهِ تَرْكُ الْحَرِيمِ، وَأَقِلُّوا الْخِلَافَ عَلَى أُمَرَائِكُمْ، وَدَعُوا كَثْرَةَ الصِّيَاحِ فِي الْحَرْبِ فَإِنَّهُ مِنَ الْفَشَلِ، وَالْمَرْءُ يَعْجِزُ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ، وَأَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى، كُونُوا جَمِيعًا فِي الرَّأْيِ، فَإِنَّ الْجَمِيعَ مُعَزِّزٌ لِلْجَمِيعِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْخِلَافَ فَإِنَّهُ لَا جَمَاعَةَ لِمَنِ اخْتَلَفَ، وَلَا تَلْبَثُوا وَلَا تُسْرِعُوا فَإِنَّ أَحْزَمَ الْفَرِيقَيْنِ الرَّكِينُ، وَرُبَّ عَجَلَةٍ تَهَبُ رَيْثًا، وَإِذَا عَزَّ أَخُوكَ فَهُنْ، الْبَسُوا جُلُودَ النُّمُورِ وَابْرُزُوا لِلْحَرْبِ، وَادَّرِعُوا اللَّيْلَ وَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا، فَإِنَّ اللَّيْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute