وَسَبَوْا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَأَسَرُوا الرِّجَالَ، وَلَقِيَهُمُ الْكَرَجُ، وَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ صَبَرَ فِيهِ الْفَرِيقَانِ، وَدَامَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ، وَكَانَ الظَّفَرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَانْهَزَمَ الْكَرَجُ وَقُتِلَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ وَأُسِرَ كَذَلِكَ.
وَكَانَ سَبَبُ الْهَزِيمَةِ أَنَّ بَعْضَ الْكَرَجِ حَضَرَ عِنْدَ إِيلْدِكْزَ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: تُعْطِينِي عَسْكَرًا حَتَّى أَسِيرَ بِهِمْ فِي طَرِيقٍ أَعْرِفُهَا، وَأَجِيءُ إِلَى الْكَرَجِ مِنْ وَرَائِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ! فَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ، وَسَيَّرَ مَعَهُ عَسْكَرًا، وَوَاعَدَهُ يَوْمًا يَصِلُ فِيهِ إِلَى الْكَرَجِ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَاتَلَ الْمُسْلِمُونَ الْكَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الْقِتَالِ وَصَلَ ذَلِكَ الْكَرَجِيُّ، الَّذِي أَسْلَمَ وَمَعَهُ الْعَسْكَرُ، وَكَبَّرُوا وَحَمَلُوا عَلَى الْكَرَجِ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَانْهَزَمُوا، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ وَالْأَسْرُ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِحْصَاءِ لِكَثْرَتِهِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُتَيَقِّنِينَ الظَّفَرَ لِكَثْرَتِهِمْ، فَخَيَّبَ اللَّهُ ظَنَّهُمْ، وَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، وَعَادَ الْمُسْلِمُونَ مَنْصُورِينَ قَاهِرِينَ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَ الْحُجَّاجُ إِلَى مِنًى، وَلَمْ يَتِمَّ الْحَجُّ لِأَكْثَرِ النَّاسِ لِصَدِّهِمْ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، فَمَنْ دَخَلَ يَوْمَ النَّحْرِ مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى كَمُلَ حَجُّهُ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ مُنِعَ دُخُولَ مَكَّةَ لِفِتْنَةٍ جَرَتْ بَيْنَ أَمِيرِ الْحَاجِّ وَأَمِيرِ مَكَّةَ. كَانَ سَبَبُهَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ عَبِيدِ مَكَّةَ أَفْسَدُوا فِي الْحَاجِّ بِمِنًى، فَنَفَرَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْحَاجِّ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ جَمَاعَةً، وَرَجَعَ مَنْ سَلِمَ إِلَى مَكَّةَ، وَجَمَعُوا جَمْعًا وَأَغَارُوا عَلَى جِمَالِ الْحَاجِّ، وَأَخَذُوا مِنْهَا قَرِيبًا مِنْ أَلْفِ جَمَلٍ، فَنَادَى أَمِيرُ الْحَاجِّ فِي جُنْدِهِ، فَرَكِبُوا بِسِلَاحِهِمْ، وَوَقَعَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، فَقُتِلَ جَمَاعَةٌ،، وَنُهِبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَاجِّ وَأَهْلِ مَكَّةَ، فَرَجَعَ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ، وَلَمْ يَقُمْ بِالزَّاهِرِ غَيْرَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَعَادَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ رَجَّالَةً لِقِلَّةِ الْجِمَالِ، وَلَقُوا شِدَّةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute