للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَظَهَرَ أَمْرُهُ، وَانْهَزَمَ شَاوُرُ مِنْهُ إِلَى الشَّامِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَصَارَ ضِرْغَامُ وَزِيرًا.

وَكَانَ هَذِهِ السَّنَةَ ثَلَاثَةُ وُزَرَاءَ: الْعَادِلُ بْنُ رُزَّيْكَ، وَشَاوُرُ، وَضِرْغَامُ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ ضِرْغَامُ مِنَ الْوِزَارَةِ قَتَلَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ لِتَخْلُوا لَهُ الْبِلَادُ مِنْ مُنَازِعٍ، فَضَعُفَتِ الدَّوْلَةُ بِهَذَا حَتَّى خَرَجَتِ الْبِلَادُ عَنْ أَيْدِيهِمْ.

ذِكْرُ وَفَاةِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَوِلَايَةِ ابْنِهِ يُوسُفَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَلِيٍّ، صَاحِبُ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَإِفْرِيقِيَّةَ، وَالْأَنْدَلُسِ، وَكَانَ قَدْ سَارَ مِنْ مَرَّاكُشَ إِلَى سَلَا، فَمَرِضَ بِهَا وَمَاتَ.

وَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ جَمَعَ شُيُوخَ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ جَرَّبْتُ ابْنِي مُحَمَّدًا. فَلَمْ أَرَهُ يَصْلُحُ لِهَذَا الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لَهُ ابْنِي يُوسُفُ، وَهُوَ أَوْلَى بِهَا، فَقَدِّمُوهُ لَهَا، وَوَصَّاهُمْ بِهِ، وَبَايَعُوهُ وَدُعِيَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَتَمُوا مَوْتَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَحُمِلَ مِنْ سَلَا فِي مِحَفَّةٍ بِصُورَةِ أَنَّهُ مَرِيضٌ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى مَرَّاكُشَ.

وَكَانَ ابْنُهُ أَبُو حَفْصٍ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ حَاجِبًا لِأَبِيهِ، فَبَقِيَ مَعَ أَخِيهِ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مَعَ أَبِيهِ يَخْرُجُ فَيَقُولُ لِلنَّاسِ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَ بِكَذَا، وَيُوسُفُ [لَمْ] يَقْعُدْ مَقْعَدَ أَبِيهِ إِلَى أَنْ كَمُلَتِ الْمُبَايَعَةُ لَهُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَاسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُ الْأُمُورِ لَهُ، ثُمَّ أَظْهَرَ مَوْتَ أَبِيهِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَشُهُورًا، وَكَانَ عَاقِلًا، حَازِمًا، سَدِيدَ الرَّأْيِ، حَسَنَ السِّيَاسَةِ لِلْأُمُورِ، كَثِيرَ الْبَذْلِ لِلْأَمْوَالِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ السَّفْكِ لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الذَّنَبِ الصَّغِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>