فَاقْتَتَلَ الْقَوْمُ قِتَالًا شَدِيدًا يَوْمَهُمْ أَجْمَعَ. فَحَمَلَ يَزِيدُ بْنُ شَدَّادِ بْنِ قَنَانٍ الْحَارِثِيُّ عَلَى النُّعْمَانِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَسَّاسٍ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، وَصَارَتِ الرِّيَاسَةُ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، وَاقْتَتَلُوا حَتَّى حَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، وَبَاتُوا يَتَحَارَسُونَ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى الْقِتَالِ، وَرَكِبَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَرَكِبَتْ مَذْحِجٌ وَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ مِنَ الْقِتَالِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ انْهَزَمَ مِنْ مَذْحِجٍ مُدْرِجُ الرِّيَاحِ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ الْمَجُونِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَرْمِيُّ، وَكَانَ صَاحِبَ لِوَائِهِمْ، فَأَلْقَى اللِّوَاءَ وَهَرَبَ، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدٍ فَعَقَرَ بِهِ دَابَّتَهُ، فَنَزَلَ يَهْرُبُ مَاشِيًا، وَنَادَى قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ: يَا آلَ تَمِيمٍ عَلَيْكُمُ الْفُرْسَانَ وَدَعُوا الرَّجَّالَةَ فَإِنَّهَا لَكُمْ، وَجَعَلَ يَلْتَقِطُ الْأُسَارَى، وَأُسِرَ عَبْدُ يَغُوثَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ وَقَّاصٍ الْحَارِثِيُّ رَئِيسُ مَذْحِجٍ، فَقُتِلَ بِالنُّعْمَانِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَسَّاسٍ، وَكَانَ عَبْدُ يَغُوثَ شَاعِرًا، فَشَدُّوا لِسَانَهُ قَبْلَ قَتْلِهِ لِئَلَّا يَهْجُوهُمْ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ لِيُحِلُّوا لِسَانَهُمْ وَلَا يَهْجُوهُمْ، فَحَلُّوهُ، فَقَالَ شِعْرًا:
أَلَا لَا تَلُومَانِي كَفَى اللَّوْمُ مَا بِيَا ... فَمَا لَكُمَا فِي اللَّوْمِ نَفْعٌ وَلَا لِيَا
أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّ الْمَلَامَةَ نَفْعُهَا قَلِيلٌ ... وَمَا لَوْمِي أَخِي مِنْ شِمَالِيَا
فَيَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نَدَامَايَ مِنْ نَجْرَانَ أَلَّا تَلَاقِيَا
أَبَا كَرِبٍ وَالْأَيْهَمَيْنِ كِلَيْهِمَا ... وَقَيْسًا بِأَعْلَى حَضْرَمَوْتَ الْيَمَانِيَا
أَقُولُ وَقَدْ شَدُّوا لِسَانِي بِنِسْعَةٍ
:
مَعَاشِرَ تَيْمٍ أَطْلِقُوا مِنْ لِسَانِيَا ... كَأَنِّيَ لَمْ أَرْكَبْ جَوَادًا وَلَمْ أَقُلْ
لِخَيْلِيَ كِرِّي كَرَّةً مِنْ وَرَائِيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute