بِمِنًى، وَغَرِمَ عَلَيْهِ أَمْوَالًا جَسِيمَةً، وَبَنَى الْحِجْرَ بِجَانِبِ الْكَعْبَةِ، وَزَخْرَفَ الْكَعْبَةَ وَذَهَّبَهَا، وَعَمَلَهَا بِالرُّخَامِ، وَلَمَّا أَرَادَ ذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَى الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ هَدِيَّةً جَلِيلَةً، وَطَلَبَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَمِيرِ عِيسَى أَمِيرِ مَكَّةَ هَدِيَّةً كَثِيرَةً، وَخِلَعًا سَنِيَّةً، مِنْهَا عِمَامَةٌ مُشْتَرَاهَا ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ، حَتَّى مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَعَمَّرَ أَيْضًا الْمَسْجِدَ الَّذِي عَلَى جَبَلِ عَرَفَاتٍ وَالدَّرَجِ الَّتِي يُصْعَدُ فِيهَا إِلَيْهِ، وَكَانَ النَّاسُ يَلْقُونَ شِدَّةً فِي صُعُودِهِمْ، وَعَمِلَ بِعَرَفَاتٍ أَيْضًا مَصَانِعَ لِلْمَاءِ، وَأَجْرَى الْمَاءَ إِلَيْهَا مِنْ نَعْمَانَ فِي طُرُقٍ مَعْمُولَةٍ تَحْتَ الْأَرْضِ، فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَالٌ كَثِيرٌ. وَكَانَ يَجْرِي الْمَاءُ فِي الْمَصَانِعِ كُلَّ سَنَةٍ أَيَّامَ عَرَفَاتٍ، وَبَنَى سُورًا عَلَى مَدِينَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى فَيْدَ، وَبَنَى لَهَا أَيْضًا فَصِيلًا.
وَكَانَ يُخْرِجُ عَلَى بَابِ دَارِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، لِلصَّعَالِيكِ وَالْفُقَرَاءِ مِائَةَ دِينَارٍ أَمِيرِيٍّ، هَذَا سِوَى الْإِدْرَارَاتِ وَالتَّعَهُّدَاتِ لِلْأَئِمَّةِ وَالصَّالِحِينَ وَأَرْبَابِ الْبُيُوتَاتِ.
وَمِنْ أَبْنِيَتِهِ الْعَجِيبَةِ الَّتِي لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهَا الْجِسْرُ الَّذِي بَنَاهُ عَلَى دِجْلَةَ عِنْدَ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ بِالْحَجَرِ الْمَنْحُوتِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالْكِلْسِ، فَقُبِضَ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ، وَبَنَى عِنْدَهَا أَيْضًا جِسْرًا كَذَلِكَ عَلَى النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ بِالْإِرْبَادِ، وَبَنَى الرُّبُطَ، وَقَصَدَهُ النَّاسُ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَيَكْفِيهِ أَنَّ ابْنَ الْخُجَنْدِيِّ، رَئِيسَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بِأَصْفَهَانَ، قَصَدَهُ وَابْنُ الْكَافِي قَاضِي هَمَذَانَ، فَأَخْرَجَ عَلَيْهِمَا مَالًا عَظِيمًا، وَكَانَتْ صَدَقَاتُهُ وَصِلَاتُهُ مِنْ أَقَاصِي خُرَاسَانَ إِلَى حُدُودِ الْيَمَنِ.
وَكَانَ يَشْتَرِي الْأَسْرَى كُلَّ سَنَةٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ، هَذَا مِنَ الشَّامِ حَسْبُ، سِوَى مَا يَشْتَرِي مِنَ الْكَرَجِ.
حَكَى لِي وَالِدِي عَنْهُ قَالَ: كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَرَى جَمَالَ الدِّينِ، إِذَا قُدِّمَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ، يَأْخُذُ مِنْهُ وَمِنَ الْحَلْوَى وَيَتْرُكُهُ فِي خُبْزٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَكُنْتُ أَنَا وَمَنْ يَرَاهُ نَظُنُّ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ إِلَى أُمِّ وَلَدِهِ عَلِيٍّ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ جَاءَ إِلَى الْجَزِيرَةِ مَعَ قُطْبِ الدِّينِ، وَكُنْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute